الحاجة إلى تربية مدنية
تعرف التربية بأنها "عملية عامة لتكييف الفرد ليتمشى ويتلاءم مع تيار الحضارة الذي يعيش فيه، وبهذا تصبح عملية خارجية يقوم بها المجتمع لتنشئة الأفراد ليسايروا المستوى الحضاري العام". أما المدنية كمفهوم فهي تقف في مواجهة حالة الطبيعة التي تتصف بالهمجية بشكل عام والتي لا يأمن فيها الفرد ولا ينعم بحق ما، ويسود فيها قانون الأقوى، فالمدنية هي حالة يصل لها الأفراد باختيارهم ويكون قوامها الاتفاق فيما بينهم وبينهم وبين السلطة السياسية، وهذه الحالة تنشئ أولا سلطة سياسية يتفق الجميع على الخضوع لها طوعا مقابل ضمانها حقوقا معينة وعامة للأفراد بحيث يضمن الفرد بمقتضاها حقه في الحياة دون تهديد لحريته وملكيته إضافة لحقوق أخرى قد يحددها كل مجتمع وفقا لاحتياجاته، ويترتب كذلك على هذه الحالة واجبات معينة يحددها نص الاتفاق وتقدمها الدولة لأفرادها كواجب الدفاع عن الجماعة وواجب دفع الضرائب وواجب الحفاظ على الملكيات العامة (جاد وآخرون، 2002).
لقد كتب العديد من الفلاسفة عن ضرورة أن يتوافق النظام التربوي والتعليمي مع ما اتفق عليه المجتمع كأساس تقوم عليه العلاقات بين الأفراد وبين الأفراد والسلطة السياسية، وحالة الاتفاق هذه أو ما يطلق عليه تاريخيا التعاقد أو العقد الاجتماعي أرست حقوقا للأفراد، وكان من الضروري تحويلها لقيم يتم تربية النشء عليها لضمان استمرارية العلاقة بين الأفراد- الذين أصبحوا مواطنين- وبين الدولة وكذلك بين الأفراد أنفسهم على أساس هذه الحقوق والقيم.
وتقسم الحقوق الناتجة عن حالة المدنية هذه إلى:
• حقوق سياسية تنظم علاقة الفرد بالدولة والسلطة السياسية وتشمل الحق في الانتخاب والحق في المشاركة السياسية العامة.
• حقوق مدنية تغطي بالأساس الحريات التي يتمتع بها الأفراد كأفراد في المجتمع ويقبل بها الأفراد الآخرين والمجتمع وتعمل الدولة على ضمان هذه الحريات. ومن هذه الحريات المدنية ما اعتبر حريات أساسية للأفراد مثل: حرية التعبير، حرية التنظيم، حرية العبادة، حرية الفكر، حرية التنقل والإقامة، حرية اختيار مجال العمل والتعليم وحرية اختيار الزوج/الزوجة.