في السادس من اكتوبر 73 وبعد ست سنوات فقط من مرارة الهزيمة التي مني بها الجيش المصري استطاع نفس الجيل الذي كان لايزال في الخدمة العسكرية ان يحقق نصرا باهرا، يصعب ان يتكرر في تاريخ الامم والشعوب التي تحتاج الى جيلين على الاقل حتى تتعافى وتسترد قدرتها على صنع نصر مؤزر على نحو ما جرى، وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء.
ولسنا هنا في مقام المناقشات التي تثار من عام الى آخر في مثل هذه المناسبة حول ما اذا كانت حرب اكتوبر بهدف تحريك العملية السياسية، أو ما اذا كان النصر جزئيا، أو حتى كونه ضاع هباء في دهاليز التسويات السياسية لكن كل ما يعنينا هو استعادة اللحظة التاريخية التي أثبتنا فيها اننا قادرون على صنع ما يشبه المعجزة العسكرية والملحمة الوطنية والقومية في الدفاع عن حقوقنا والتصميم على استرداد تلك الحقوق، رغم ان كل المعطيات كانت تقول العكس.
تفاعل الجندي البسيط مع قائده، وانصهر الجميع في بوتقة الشارع الذي تحمل في صبر التضحيات التي خرجت من كل بيت تقريبا في صور الشهداء، والأبطال الذين أبوا الهزيمة وخاضوا معركة راس العش بعد اقل من شهر على هزيمة 5 يونيو 1967، واغرقوا المدمرة ايلات في 21 اكتوبر من العام نفسه، مرورا بحرب الاستنزاف، قبل ان تتوج الجهود بنصر أكتوبر.
نحن أحوج ما نكون هذه الايام الى استرجاع روح التحدي التي ظهرت في اكتوبر، لدرء القنوط والاحباط الذي يأكل من همم البعض منا، وسط الأصوات المذعورة التي تنعق بفقه الهزيمة، والدعوة إلى التفريط في كل شيء، وكأننا لا نستحق ان نكون في أوضاع أفضل.
الله اكبر.. وطريق النصر
في شهر رمضان عام 1393هـ أتى نصر، وتغلبت الجيوش المؤمنة على القوات الإسرائيلية الغاشمة وتحقق وعد الله في قوله -سبحانه وتعالى-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، لقد تحقّق نصر الله بعد سنوات طوال من الصراع مع العدو الإسرائيلي الذي كان يكسب كل جولة . ذلك لأننا لم نكن نحسن الصلة بالله -سبحانه وتعالى-، ولم نكن نأخذ بالأسباب الحقيقية للإعداد والاستعداد الجادّ لملاقاة العدو. ولكن عندما غيّرنا أحوالنا كما أمرنا الحق -تبارك وتعالى- في قوله الكريم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
وحينما أعددنا أنفسنا عقائديًا وماديًا إعدادًا جيدًا كتب الله لنا النصر وهذا هو الطريق الصحيح للنجاح والفوز وذلك ببذل كل جهد ممكن، والاعتماد على الله -تبارك وتعالى- وإخلاص النية لله، وطلب مرضاته، هنا تكون النتيجة الحتمية بالفوز في الدنيا والآخرة، كما قال الحق -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً).
لقد كان شعار قواتنا المسلحة في حرب رمضان"أكتوبر": (الله أكبر)مدويًا في آفاق السماء، ورجالنا يهاجمون مواقع العدو، فيهزهم هزًا. وقذف الله في قلوب الأعداء الرعب ففروا هاربين.
وكان هذا الشعار يقوي عزيمة الرجال، ويبعث فيهم الأمل، ويعطيهم الثقة بأن العدو مهما كان كبيرًا فإن الله أكبر.
كانت حرب رمضان عام 1393هـ حربًا مباركة، وكانت في أيام مباركة من شهر مبارك هو شهر رمضان المعظم وهو شهر مفضّل في الإسلام ترفع فيه الأعمال الصالحة، فما بال الجهاد والقتال فيه لنصرة الحق والدفاع عن الحرمات؟.
وقد بدأت المعركة يوم العاشر من رمضان وأعطي لها الاسم الرمزي "بدر" تيمنًا بمعركة بدر التي كانت فاتحة خير على المسلمين، ونصرهم الله -سبحانه وتعالى- بعد أن كانوا أذلة.
كان المبدأ الإسلامي في القتال وهو "النصر أو الشهادة" خير دافع لقواتنا للجرأة والشجاعة والتضحية عن عقيدة وإيمان. لذلك احتوت هذه الحرب على الكثير من قصص البطولة والفداء التي قدمها الضباط والجنود ممن نالوا شرف الشهادة.
الروح والإيمان وراء النصر
لقد قرّر قادة قواتنا أهمية العقيدة والإيمان وتولد عن هذا الإيمان العميق روح معنوية عالية تعد من أعظم الأسلحة التي في يد القائد بفضل ما تودع في نفوس الرجال من صبر وعزيمة وفداء.
كانت الروح المعنوية العالية لقواتنا هي السلاح الرهيب الذي أدهش العدو؛ حيث وجد رجالاً يقذفون بأنفسهم إلى الموت، ويستهينون بالنار طلبًا للنصر أو الشهادة.