نمو وتطور ظاهرة الاختطاف:
إن استفحال ظاهرة اختطاف الأطفال في الأونة الأخيرة أصبح يهدد أركان مجتمع هذا البلد العربي فيه في جانبه الاجتماعي والنفسي: فاجتماعيا إن نموالظاهرة في تزايد مستمر وغير منقطع النظير .
«Le phénomène d’enlèvement d’enfants en Algérie est en train de prendre ces derniers temps des proportions alarmantes au point de susciter une véritable psychose au sein de la population. »
كما أن هذا يجعل من المجتمع كالمجتمع الجزائري يخسر من أفراده باستمرار مما يؤكد على مقولة التآكل الاجتماعي وهي ظاهرة لا تظاهيها إلا ظاهرة الحرب. ونفسيا فإن الظاهرة وما يترتب عنها على المستوى النفسي من قلق وحيرة وآلام و...ظواهر نفسية أخرى مصاحبة أصبحت أقل ما يقال عنها تشكل "العصاب التجريبي" للعائلات المعنية بالاختطاف. والعصاب التجريبي ظاهرة ناتجة عن القلق، ولكن تراكمات القلق يصبح يشكل هذا المرض الذي يستعصى على المختصين إيجاد حلولا له ومداواته. وبالتالي فإن الظاهرة من هذا المعنى أخذت معناها من المختصين ليس وحسب في علم الجريمة وإنما أيضا من الختصين في علم النفس الإجتماعي.
هناك دراسات تفيد أنه تم "اختطاف 500 طفل تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 13 سنة عام 2007، عثر على 23 منهم مقتولين والبقية لم يتم العثور عليهم إلى الآن. تبدو العملية منظمة في ظل هذا العدد الكبير من المختطفين، إذ أنهم لا ينتمون كلهم إلى عائلات غنية أو ميسورة.
وحسب المصالح الأمنية التابعة للعاصمة فإن 20% من المختطفين ينتمون إلى عائلات فقيرة، وأحيانا فقيرة جدا. هنالك فرضية الضياع مطروحة، أي ابتعاد الطفل عن بيته أو منطقته مما يجعل العائلة تنشر صورته في الصحف أملا في العثور عليه، و عندما لا يتم العثور عليه تتراجع فرضية الضياع و تتقدم الفرضية التي صارت ترعب العائلات الجزائرية: الجريمة المنظمة سواء من أشخاص محترفين، أو من مرضى نفسانيين !"
وللحقيقة نقول أن فعل الجريمة هذا وإن يتلون بمظاهر عديدة فهو تارة إجرامي للنخاع. وتارة أخرى متلبس في شكل الإجرام .وفي كل الحالات نقول أن الدراسات الاجتماعية تفيد أن القائمين على فعل الجريمة من هذا النوع، إنما هم ممن لفضهم المجتمع. لأنه مهما كانت مبررات الفعل الشنيع هذا. فهو إن دل على شيئ فإنما يدل على أن الجريمة كأنها من افتعال مجموعة من العصابات مغرضة أي أنها تهدف إلى زعزعة المجتمع الجزائري من جانبه الاجتماعي النفسي . من جهة ومن جهة أخرى إنما تهدف إلى إشاعة الفوضى وتقويض دعائم المجتمع ولو على حساب جثث الأبرياء . ولقد مورس هذا الأسلوب مما عرف في فترة ما من تاريخ الجزائر المعاصر بتطبيق سياسة الأرض المحروقة التي كانت نسخة من النسخ التي أقامتها فرنسا إبان الثورة الجزائرية مع مشاريع المخططات التي اتبعتها لا سيما بعد 1958. والتي كانت آخرها عمل المنظمة السرية بعد 19 مارس 1962. ومن هنا فإننا نقول أن تاريخ الجزائر وحدة واحدة وما جرب في الشعب الجزائري على أيام محنة الثورة الجزائرية من طرف الإستعمار الفرنسي وأذياله سيطفوا على سطح هذا المجتمع مغتنما المنعرجات الخطيرة التي يمر بها تاريخ الشعب الجزائري.
وعندما نتساءل- "مِن مصلحة من اختطاف طفل في الرابعة من العمر، ينتمي إلى أسرة فقيرة لا يمكن مساومتها عليه ماليا؟ العديد من أستاذة علم الاجتماع عرضوا ملف الاختطاف القسري في ندوة أقامتها كلية علم الاجتماع بالجزائر، جاء فيها أن عدد من الأطفال عثر عليهم قتلى، وأن التشريح أثبت تعرضهم إلى الاغتصاب وبعضهم تم استئصال أعضاء منهم (أقلية ممن عثر عليهم)، غالبا ما يكون العضو المستأصل عبارة عن الكليتين أو القلب" .-فإن الإختطاف سواء مثل به أو جعل موضع استغلال أو كان مرجع طمع مادي أو .. في كل الحالات فإن الظاهرة المغرضة في نظرنا تهدف كما قلنا إلى المساس بالجانب النفسي الاجتماعي للمجتمع الجزائري. وهي "فائدة" عظيمة لدى القائمين على الفعل . وقد يكون القائمون على هذا الفعل مجرد أدوات تنفيذية. لأن التاريخ علمنا أن المنظمة السرية O.S كانت دوما تنتقم من الشعب ومن ثورته بالطريقة التي كان يقف عليها فنانوا الإستعمار الفرنسي. وهم هنا من الخبراء ومن ذوي الاختصاص "يقول في هذا المعنى مالك بن نبي "ولسنا نستطيع بكل أسف ، وبتأثير أوضاعنا العقلية أن نفهم عمل الاستعمار إلا ريثما يثير ضجيجا كضجيج الدبابة والمدفع والطائرة أما حينما يكون من تدبير فنان أو من عمل قارض فإنه يغيب عن وعينا .."
ومن هنا فإن إرجاع ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر إلى مسؤولية المجتمع حتى كأننا نصور أن المجتمع الجزائري كله مقترف لهذه الجريمة فيه الكثير من الافراط في القول كما أن عدم تحميل المجتمع الجزائري لها فيه أيضا الكثير من التفريط : وإننا كدارسين لا يحق علينا لا سيما في المسائل الاجتماعية أن نرى لونين أبيض أو أسود فقط وإنما علينا أن نرى جميع الألوان إلا إذا كنا مصابون بعاهة عمى الأبصار " أردت أن أقول أن مسألة الاجرام في اختطاف الأطفال لا بد لها من تحريك قوى المجتمع العلمية كلها للتقرير فيها. بمعنى أننا هنا بحاجة إلى علماء اجتماع، وعلماء السياسة، وعلماء النفس، وعلماء الاقتصاد ، وقانونيين، وعلماء الجريمة، وكلما في الانسانيات من أدب وتاريخ ومن فقهاء ومن...
حيتئذ –وفقط- نقرر ونثبت بالدليل القاطع السبب الحقيقي وراء هذه الجريمة.
ونحن نقول هذا لما نجد علم الاجتماع باعتباره الابن الوصي على هذه الدراسة يرشح أحد منه ليقول :هنالك قضيتين في قضية واحدة، وهي ان المجتمع يتجه نحو برمجة العنف بطرق أكثر بشاعة، من خلال جماعات تنشط في السر، وتتعامل بلا شك مع جهات طبية باعتبار ان إجراء عملية استئصال الكليتين من طفل في العاشرة، لا يمكن أن يقوم بها شخص آخر سوى طبيب متمكن.
ولهذا فإن القضية هنا تأخذ بعدا أخطر بكثير من مجرد قضية الخطف. وثمة الجانب الثاني بالنسبة للأطفال الذين يتم الاعتداء عليهم جنسيا ثم قتلهم لأنهم قادرو ن على كشف الجاني. وهذه قضية تعكس الوجه الآخر من المجتمع الذي يعاني كبتا نفسيا وجنسيا صار يفجره المرضى النفسانيون في الأطفال باغتصابهم وقتلهم بطرق شنيعة ( أغلبها ذبحا ). بيد أن " قضية الطفل ياسر الذي اختطف من أمام بيته أشبه بالقطرة الذي أفاضت الكأس، لأن القضية نشرت على صدر الصحف.
ونقلت تفاصيلها أيضا إلى التلفزيون، فياسر في الرابعة من العمر، اختفى فجأة بينما كان يلعب قرب بيته، ليتم العثور عليه يومين من بعد مذبوحا ومرميا بالقرب من بيته.
أيضا مصالح الأمن التي قامت ـ نتيجة الضغط الإعلامي الكبير ـ بتحريات دقيقة ألقت القبض بعدها على الجار الذي يبلغ من العمر27 سنة. استغل غياب أهله عن البيت لأيام واختطف الطفل واغتصبه ثم قرر قتله ذبحا. الطبيب الشرعي الذي أكد الاغتصاب أكد أيضا أن الطفل كان قد توفي قبل ذبحه ببرودة دم. كان الطفل" ياسر" هو الطفل ال11 الذي يتم اختطافه و اغتصابه و قتله منذ بداية السنة الحالية." (السنة المقصودة هي سنة 2007)
وعندما نتتبع التطورات التي شهدتها عمليات الاختطاف في هذا البلد نجد أن " الأرقام الرسمية تفيد أن سنة 2000 شهدت تسجيل 28 حالة اختطاف تمت في شهر واحد. و سنة 2002 تم تسجيل اختطاف 117 منهم 71 فتاة. أما في سنة 2004 فإن عدد الأطفال هذا يصبح 168..غير أن المصالح المختصة سجلت 41 حالة اختطاف تمت في غضون الأربعة أشهر الأولى من هذا العام "وهي دون شك أرقام في تطور مذهل بحيث نجد ما بين سنة 2000 و2002 فإن العدد تضاعف بما يزيد عن خمس مرات وهو أمر ينذر بالخطر. وإذا ما قارنا استفحال الظاهرة مع سنة 2004 فإن فإننا نجد أن الرقم يتطور بزيادة تقدر بـ45 حالة اختطاف جديدة وهو مؤشر يدل على أن الظاهرة سبتت قليلا مقارنة بالسنوات التي سبقت هذه السنة.
إن "إحصائيات مصالح الأمن تشير إلى تسجيل 14 حالة اختطاف مست الأطفال، خلال شهر جانفي الماضي، من بينهم 9 بنات و5 ذكور، عادوا إلى أسرهم. وأضافت ذات المصالح أن الضحايا تعرضوا في مجملهم للاعتداء الجنسي.
وأوضحت نفس المصالح أن عدد الأطفال الذين تم اختطافهم، خلال عامي 2006 و2007، والذين تمكنت مصالح الشرطة من العثور عليهم وتقديم مختطفيهم للعدالة، 252 طفل، ما بين ذكور وإناث. علما أن الظاهرة في تنام متواصل، ودليل ذلك الزيادة المسجلة في سنة 2007 حيث بلغ عدد المختطفين 146 طفل مقابل 108 تم اختطافهم في .2006 وهو ما يعني 38 حالة اختطاف إضافية. علما أن الفتيات هن الأكثـر عرضة بعدد 182 فتاة مختطفة خلال السنتين الأخيرتين، والغرض الأساسي يتمثل في التعدي الجنسي والاغتصاب. وأضافت الإحصائيات الأمنية أنه، منذ سنة 2001 والى غاية نهاية السنة المنصرمة، تم اختطاف 841 طفل تتراوح أعمارهم بين 4 و16 سنة"
وعندما نتتبع الرقم هذا والذي هو رقم ضخم مقارنة بالتطورات التي عرفها تاريخ الجزائر لا سيما مع ما عرف بالعشرية السوداء أي حقبة التسعينات نجده نجد أن معدل الاختطاف لهذه الشريحة البريئة من المجتمع الجزائري يفوق 100 جريمة في السنة وهو رقم مدهش نقول هذا دون أن ننسى أن الرقم هذا يتعرض للتطور الذي ذكرنا منذ سنة 2000.
إن البعض يفسر انتشار وسرعة نمو هذه الظاهرة إلى الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها المجتمع الجزائري والذي تحسنت أوضاعه الأمنية لكن ظروفه الاجتماعية لم تتحسن بسبب ما يمكننا أن نطلق عليه عدم التوازنات الاقتصادية التي يتحكم فيها دائما معامل "عدم التوازن الأفقي وعدم التوازن العمودي". نعني أنه لا يوجد توازنات اجتماعية متكافئة جغرافيا فأهل المناطق التي لها نفوذ تتحكم في الوضعية الاقتصادية أكثر من أهل النفوذ . وأما عن عدم التوازن العمودي فنقصد به أن الطبقات الاجتماعية لا تتوفر على ما يعرف بالطبقة الوسطى ( لقد أكد الدكتور أحمد طالب الابراهيمي هذا في لقاء اليوم الذي عقدته معه قناة الجزيرة بقوله أنه اليوم لا وجود للطبقة الوسطى والتي عرفتها عهدة الرئيس الراحل هواري بومدين.) وفعلا فإن المجتمع الجزائري اليوم يتوفر على 5 بالمئة من بيدها ثروة عائدات المداخيل الوطنية في حين أن 95 بالمئة تعاني خط الفقر وهو أمر يوجب التوجه لسياسة التوازن العمودي أكثر من أي وقت مضى.
ومن جهة أخرى هناك من يعيد تفشي الظاهرة ظاهرة اختطاف الأطفال إلى عامل سياسي بمعن أن الفشل لدى البعض في المجال السياسي أوجد حالة من الشعور بالانتقام : كون أن المجال السياسي أصبح يعاني الانسداد. إذ لا وجود لمعارضة حقيقية. حتى يمكن التحدث عن التغيير الذي يعني تطوير المجتمع الجزائري، وبالتالي التقدم والرفاهية. ففي ضل هذا الغياب تستعير نار الفتنة بين أبناء البلد الواحد ولكن للأسف هذه المرة على حساب الأبرياء من أطفال الجزائر. كأنهم من أولئك القوم الذين ذكرهم القرآن الكريم: ﴿... يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ﴾
وعندما نتتبع الظواهر الاجتماعية التي من قبيل هذه الظاهرة كظاهرة الانتحار: التي باتت مقلقة أكثر من ظاهرة الاختطاف. وفي هذا المضمار فإن ( المديرية العامة للأمن الوطني سجلت في إطار دراسة داخلية أشرف عليها خبراء من مصلحتها وجود تزايد رهيب لعدد محاولات الانتحار لدى المراهقين. ففي سنة 2002 وحدها تم تسجيل حوالي 1200 محاولة انتحار.
إلا أن الرقم انخفض وتراجع في السنة الموالية إلى 850 محاولة. إلا أن أهم ما يميز هذه الأرقام هو كون أكثر من 65 ٪ من محاولات الانتحار سجلت لدى الإناث، والأخطر من دلك هو تسجيل حوالي 150 محاولة انتحار في سنة 2002 لدى الإناث أقل من 17 سنة وهو رقم مذهل وخطير ويطرح أكثر من سؤال. وظل الرقم في نفس المستوى في السنوات الأخيرة، ففي سنة 2003 بلغ حوالي 100 محاولة لدى هذه الفئة وعند الإناث فقط، بينما لم يتجاوز عند الذكور من نفس الفئة 20 حالة. أما مجموع محاولات الانتحار عند الإناث من جميع الأعمار في سنة 2002 فتجاوزت 500 حالة أي حوالي محاولتي انتحار يوميا لفتيات تقل أعمارهن عن 17 سنة وهن في مقتبل العمر)
في الحقيقة هذه التفاسير التي تقدم للظاهرة يؤكدها الواقع. كما أن الجانب الرسمي يفيد أن الظاهرة تعود إلى عاملين سنأتي على ذكرهما بعد ما نتتبع أحد الرسميين في هذا الشأن : والذي هو وزير الداخلية الجزائري: فلقد أعلن عن تسجيل 375 عملية اختطاف شهدتها بلاده خلال العام الأخير( يقصد 2007) وطالت مقاولين وأطفال ورعايا أجانب، ويعتبر المعطى المذكور مفزعا، طالما أنّه يعني وقوع حالة اختطاف على الأقل كل 24 ساعة، وعن هوية الواقفين وراء هذه الاختطافات، أوضح المسؤول ذاته أنّ مجموعات التمرّد تورطت في 115 حالة، بينما ارتبطت 260 حالة بممارسات مافيوزية لعصابات الجريمة المنظمة التي اتخذت من الظاهرة أسلوبا جديدا للاسترزاق (..).
فهذا التصريح الرسمي من وزير الداخلية الجزائري لا يكتفي بالأرقام وذكرها عن ما خلفه الاختطاف بل يحدد الأسباب التي كانت وراءه. ففي رأيه -وهي كما تتبعنا- تعود للعاملين التاليين عامل مجموعات التمرد. وعامل آخر، هو عامل الممارسات المافيوزية لعصابات الجريمة : ومن هذا التحديد يتبين بأن المجموعة الأولى التي سماها بمجموعات التمرد قد لا نستبعد فيها معامل الانتقام . ولكن الانتقام هنا لا يمكنه أن يكون على حساب أبناء الشعب اللهم إلا إذا كانت هذه المجموعة تنتقي فرائسها من رد الفعل الطبيعي بمعنى تنتقي فرائسها من الطبقة التي تشن عليها هذا التمرد ( وإذ كان هذا صحيحا فمع الأسف لا توجزه لا الشرائع ولا الديانات ولا منظمات حقوق الانسان ولا أي مثاق من المواثيق ولاالمعاهدات الدولية ( لأن الأمر يتعلق هنا بالبراءة ).
وأما عن ما سمي بالممارسات المافيوزية والتي تعني عصابات منظمة ومتخصصة في الإجرام بالأطفال ، وبالتالي المتاجرة بأعضائهم. فهو الظاهرة الغريبة. والتي لا يمكنه أن توجد في هذا المجتمع. لأن هذا الأخير مجتمع بالأصل ديني. ومحافظ على القيم والتقاليد وبالتالي فلا يمكن لهذا العمل الاجرامي أن يكون من الواقفين عليه من أبناء الشعب الجزائري: فقد يكون التنظيم كالمنظمة السريةO.S ) ( التي طالما أجرمت بحق الشعب الجزائري، ذات يوم من أيام استقلال الجزائر. لأنه لا يمكن أن نتصور عمل من هذا القبيل يقوم عليه جزائري ناهيك عن أنه مسلم . ومن هنا فإن التصريح الرسمي "تصريح سياسوي" وليس تصريحا علميا. أو لنقل مبني على الأقل على قوعد علمية فعندما يكون تفكيرنا منشغل عن هموم الشعب الجزائري ومعاناته نعيد أي شيئ إلى ... إلى "أساطير الأولين "!
"وفي ردّ من وزير الداخلية الجزائري على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى في البرلمان)، قال إنّ الحالات المعلن عنها جرى حصرها بناء على بلاغات من أهالي الضحايا".
إن هذا التصريح من الوزير لن يكون هو كل شيئ. لأننا نعلم أن الوضع الجزائري به خصوصيات. كما أننا نعلم أن الجريمة جريمة اختطاف الأطفال لها خصوصياتها .فعندما نتكلم على أن الوضع له خصوصياته: فإنما نعني أن كثيرا ما كانت الأرقام المصرح بها ليست ما يطابق واقع. بمعنى أنه في كثير من الحالات تكون الأرقام إما أنها مقلصة إلى الدرجة التي تثار حولها الشكوك. أو أنها مفخمة إلى الدرجة التي تثار حولها الشكوك أيضا. كما أن هناك أرقاما بين التصريح والتصريح متناقضة مما يعني أن المسألة أصبحت تخص مصداقية التصريحات (ونحن هنا لا نشكك في تصريح هذا الوزير أو ذاك وإنما حتى وإن كان هذه المرة تصريحا صادقا. فإنه يفتقد إلى الجانب القيمي أعني إلى جانب الصلاحية ( وهي تجارب يعانيها الشعب الجزائري منذ مدة طويلة ). ثم إننا حينما نتكلم عن تصريح من وزير الداخلية يفترض أن الرقم الذي عليه أن يدلي به هو الرقم الذي تقدمه له المصالح المكلفة (وهي هنا أهل الإختصاصمن من العلماء) بمتابعة هذه الجريمة. أما اعتماده على تصريحات بعض المواطنين (الأهالي ) فإن هذا لا يكفي. لأن تصريحات البعض الآخر من المواطنين لا تصل إلى المصالح المكلفة بسبب أن الجريمة تصبح جرائم لدى حتى ذويها فيسكتوا عنها: فجريمة أحسن من جرائم: والمثال على ذلك إن اختطاف فتاة قاصرة قد لا يبلغ عنها. لأن التبليغ عنها لدى المصالح المعنية قد يجلب الاستهجان الاجتماعي. لذوي الضحية لا سيما لما نعلم أن الضحية راحت ضحية الغدر من الأقارب ! فيستكين أولياء الضحية إلى استعمال وسائلهم الخاصة في البحث عن المفقودة، وذلك قد يستغرق أياما وأياما ضف إلى ذلك بعد المسافة من منطقة المجنى عليها حتىأن الوصول والتبليغ إلى المصالح الأمنية قد يستغرق هو الآخر في بعض المناطق الصحراوية أو الريفية وقتا طويلا. والنتيجة أن أي رقم يكون مصرح به لا نعتمد فيه على وسائلنا كدولة ترعى مواطنيها يبقى مثارا للشكوك. وما يثبت قولنا هذا: "أنّ العدد الحقيقي أكبر من المصرّح به، سيما وأنّ مصادر محلية تحدثت عن اختفاءات ملغّزة لما يزيد عن 150 طفلا خلال إحدى الأ شهر المنقضية. عُثر على جثث أغلبهم في حالة تحلل متقدمة بآبار مهجورة، بينما تعرّض قطاع غير يسير منهم إلى اعتداءات جنسية كانت لها انعكاسات على هؤلاء الذين تعرضوا لصدمات ليست بالهيّنة.
علما أنّ ظاهرة "اختطاف الأطفال" التي تفاقمت على نحو مريب العام الماضي وأوائل السنة الجديدة بهذا الصدد، تقول كشوفات اطلعت "إيلاف" عليها، إنّ 841 طفل تعرّضوا للاختطاف منذ العام 2001، وتتراوح أعمار الضحايا بين 4 و16 سنة." ،
بالإحصائية هذه أو بغيرها من الإحصائيات الرسمية السالفة الذكر فإن ما يثير وما يلفت الانتباه ليس هو الرقم أو الأعداد فقط وإنما هو تفشي الظاهرة في المجتمع الجزائري . إن الدراسات الاجتماعية تفيد أن المجتمع الجزائري من الممكن أن تتفشى فيه بع الظواهر الاجتماعية كغيره من المجتمعات وهو في هذا لا ينقص ولا يزيد عن غيره من المجتمعات. ومن الأمثلة على ذلك نذكر أن ظاهرة الطلاق يمكنها أن تزيد أو تتناقص (لعدة عوامل ).كما أن ظاهرة الزواج هي الأخرى يمكنها أن تزيد أو تتناقص . أو ظاهرة حتى الإدمان على المخدرات يمكنها هي الأخرى أن تزيد أو تتناقص وحتى أيضا ظاهرة الانتحار يمكنها أن تزيد أو تتناقص. أو أي ظاهرة أخرى، يشترك فيها المجتمع الجزائري مع المجتمعات الأخرى في العالم، يمكنها أو يمكن أن تكون عرضة للزيادة وللتناقص إلا ظاهرة أختطاف الأطفال فهذه الظاهرة لا يمكنها أن تزيد أو تتناقص للأسباب التالية:
أولا إن هذه الظاهرة لم تعرف في تاريخ المجتمع الجزائري إطلاقا.
ثانيا إن المجتمع الجزائري حرص دائما على القيم وأهم قيم القيم هي براءة أطفاله. فكيف له أن يقوم بفعل معاد لهذه البراءة التي ألفها وألفته. لا سيما وأن المجتمع الجزائري سليل مجتمع القيم. وهو أيضا من سلالة المدافعين عن القيم . ومن هنا فإن المعامل الاستعماري ضل طوال تاريخ هذا المجتمع يحاول النيل منه ومن براءته ولم يتمكن من ذلك. اللهم إلا ما أقدمت عليه يد الغدر والاجرام على أيام محنة الجزائر إبان الثورة الجزائرية. من تدمير وحشي ومن قصف ومن قنبلة للمجتمع الجزائري ككل ببراءته في القرى والمدن والمداشر وفي الوديان والجبال وفي...
ومن هنا نفهم أن المعامل الاستعماري ساهم إلى حد ما في إيجاد نوع من "الاغتيال للبراءة". لكن مع ذلك لم نسمع عن ارتكاب هذا الفعل إلا مع بدايات القرن الواحد والعشرين .
وعندما نقول بدايات القرن الواحد والعشرين معنى هذا أننا لا بد وأن ناخذ في الحسبان مجموع المؤثرات في المجتمع الجزائري. والتي من الممكن أن تكون قد ساهمت في إيجاد هذه الظاهرة. وفي مقدمة هذا ما أطلق عليه بـ"التحدي الحضاري".وبداية هو :
تغللغل الهوائيات في البيوت الجزائرية واشتمال هذه الأخيرة على كل أشكال وأنواع ثقافة العنف. وكل أشكال ونماذج الاغتيال والغدر و....ربما يكون عامل مهم قد ساهم في إيجاد هذه الظاهرة أي ظاهرة اختطاف البراءة أي( الأطفال ).
إن التطور السريع الذي عرفته وسائل الاتصال قد ساهم في التقارب بين الشعوب وبين الأمم من جهة. ومن جهة أخرى، تكون بعض الشعوب خاصة تلك التي تعيش "حالة اللاثقافة" ضحية للإفرازات التي أفرزتها شعوب بعض شكليات الثقافة ( نذكر بهذا الصدد أن من إفرازات الثقافة الغربية ظهور جماعات حليقي الرؤوس في السبعينات وظهور جماعات الهيبيز وظهور شاكلات جون تراوتا وظهور مودات كثيرة اليوم من "تغيير الأنوثة إلى رجولة" ومن "تغيير الرجولة إلى أنوثة" ومن مودات خاصة بثقافات الجنس من التربية الجنسية إلى الشذوذ. وظهور "ظاهرة الطبيعيين" وظهور "ظاهرة الوجوديين" وظهور ظاهرة ... ولكنها كلها موديلات غربية تعبر بصدق عن ما أسماه يوما ما "أسوالد شبينغلر" بـ تدهور الحظارة الغربية أو أفول الغرب).
إن ظهور ظواهر إفرازات مجتمع اللاثقافة من نمط ظاهرة إمتلاء السجون بالصالح والطالح. من المواطنين قد يؤجج من انتشار الظاهرة. ذلك أن علم اإجتماع الجريمة يحدد أن التربية في السجون قد تخلق من الصالحين طالحين. كما أنها قد تخلق من الطالحين صالحين . ومن هنا فإن الأمر في هذا الشأن تتداوله النسبية أي نسبية تشكيل ذات مجرمة. من فصيلة الذوات الفاشلة. والتي تلجأ من حين لآخر إلى التعويض: العقدة التي تميز هذا الصنف من الأفراد ألا وهي عقدة "الانتقام الاجتماعي".
فقد يكون الأفراد هؤلاء من الصنف الانتقامي والذي تتولد عنده ظاهرة الاختطاف . لكن والحقيقة تقال أن هذا يكون ممكنا لما يتعلق الأمر بدراسات على مجتمعات تعاني من مشكلة القيم . أما وأن الأمر يتعلق بمجتمعات تجعل للقيم أولى أولويات بديات الطريق الحضاري فيها. فإن هذا الأمر الذي تكلمنا عليه يصبح من قبيل الأفكار التي تهوي على جبل في جنح الظلام. بمعنى أن المسألة لا أساس لها من الواقعية ناهيك أن يكون لها أساس في عالم مجتمع القيم الذي ذكرنا.
قد يتسبب القهر السياسي في بروز الظاهرة: ظاهرة الاختطاف. فقد يلجأ الخصمان السياسيان إلى استعمال "التحالف مع الشيطان" من أجل نيل أحدهما من الآخر. وهنا تستباح القيم وتصبح الفعلات الشنيعة عمل جميل في منطق فاعله. والعكس صحيح. وفي هذا الباب وقفنا على ظاهرة التمثيل بالجثث إبان احتدام " معامل التحالف مع الشيطان " في فترة من فترات نهايات القرن العشرين في بلد من البلاد العربية . وكأن الخصمان انتبهوا إلا إلى أيهما برهب الآخر أكثر معتقدا أن الذي يستعمل هذا الأسلوب من الحرب النفسية هو المرشح للفوز، في النشوة الأخيرة من الانتصار. لكن هيهات ! فإن المنطق الذي يسير المجتمعات يأبى هذه الدناءة من الأساليب لأنه معوف جدا حتى في أوقات المحن والشدائد مثل الحالة التي ذكرنا يصبح "الخواف هو الذي يضرب الحجر الكبير " ولو كان الأمر كذلك لاستفاد الشعب الجزائري مثلا من أقسى وأصعب محنة عانها في تسليط أسلوب الحرب النفسية عليه. لكن المنطق الذي ذكرنا جاء في الأخير بنتيجته التي لا مرية فيها. وهو استقلال البلاد من الهيمنة الاستعمارية. ومن كل الحروب التي مورست عليه وفي مقدمتها الحرب النفسية . ومن هذا الدليل التاريخي يظهر أن ظاهرة الاختطاف: ممارسة كأسلوب من أساليب الحرب النفسية، مآلها الفشل. وعليه فإن كل ممارسات لها، سوف تعصف بها رياح المجتمع الذي يملك قوة الأفكار. من منطلق أنه "ما يبقى في الوادي غير ججارته ".
إن ورود ظاهرة الاختطاف من منطلق الجريمة المنظمة قد تبرره ظاهرة أخرى وهي "ظاهرة الحراقة " بمعنى مادام أننا نعلم علم اليقين أن ظاهرة الحراقة: واردة فإن ظاهرة الاختطاف كجريمة منظمة أيضا أمر وارد . وإن كانت الحالة الأولى قائمة فمن دون شك أن الحالة الثانية: تقوم أيضا مع فارق في الإمكانتات: فإذا كان الحراق هو عنصر من مجموعة مغامرة فإن المختطف المنتظم هو أيضا عنصر من مجموعة لكن ما يتوفر عليه الأول من الإمكان المادي هو غير ما يتوفر عليه الثاني من الامكان المادي. كماأن ما يبيح للأول فعلته. لا يبح للثاني فعلته لماذا؟ لأن الثاني ( أي صاحب الإختطاف كجريمة منظمة)لا يمكنه الاقدام حتى على فعلته لجملة من الأسباب تتعلق بالجتمع الذي هو محل دراسة الظاهرة فيه، اللهم إلا إذا كانت الظاهرة من شبكةالإجرام العالمية. تلك التي استفاد منها البعض في أفلام نسجت على منوال أفلام الغرب الأمريكي. فقد يكون هذا البعض تعلم من الاختطاف الذي مارسه "جون واين" على أحد الملونين أو مارسه سارتانا أو....الخ.. ومن هنا فإن انتشار ظاهرة الاختطاف بالطريقة التي تسمى بالجريمة المنظمة سوف يكون من قبيل "تصدير ثقافة" للأسف لللاثقافة . من جهة. ومن جهة أخرى، سوف تكون الظاهرة بتنظيماتها المحكمة من قبيل عودة للتاريخ الغابر ذاك التاريخ الذي كانت البشرية فيه تباع وتشترى. أو من قبيل ذاك التاريخ الذي كانت فيه الأنثى توءد حية. وفي كل الحالات فإن الاختطاف بالجريمة المنظمة يكاد يكون مستحيلا وأنه من تنظيم أفراد. لماذا للقدرات التي يتوفر عليها من خطوات في العمليات عمليات الاختطاف هذه والتي يمكن تقسيما على النحو التالي:
أولا عمليبة القبض على الضحية.
ثاني عملية التكفل بمستلزمات االرهينة.
ثالثا عملية الجراحة وما تتطلبه هذه الأخيرة من إمكانيات مع الحرص على اختفاء الضحية بدفنها أو برمي ماتبقى منها في أي مكان : حيث لا مكان.
رابعا عملية تسويق الأعضاء والشبكة التي تقوم عليها:وهنا لا بد من عنصري الصفقة التجارية. كل هذا يجعل من عملية الاختطاف كجريمة منظمة لا يقوم عليه المجتمع بل تقوم عليها "بارونات عالمية".
لأن المتتبع للعمليات الاختطافية من قبيل الجريمة المنظمة. يفهم من دون شك أن الواقفين على هذه العمليات ليسوا أناس بسطاء بقدر ماهم على مقدرة وعلى قوة من الهيمنة ومن السيطرة على مختلف خطوات الجريمة التي ذكرنا .إذ الخطوات التي ذكرنا تقتضي غرف خاصة للعمليات الجراحية وهذه الأخيرة تقتضي متخصصين في ميدان الطب ومتقدمين في الجراحة. وفي أساليب القيام باالعمليات الناجحة . وقد يقول البعض وما بال هؤلاء والعمليات الجراحية تكون ناجحة أو لا تكون ناجحة . والحقيقة أن استئصال عضو من الأعضاء يقتضي أيضا ضمان أقل شيء نجاحه(أي نجاح بقا العضو المستأصل صالح للإستعمال ) وهذا يتطلب تقنية عالية في الجراحة وفي عمليات حفظ الأعضاء المستأصلة. واسألوا أهل الاختصاص فنحن متأكدون بأنهم يجيبونكم على النحو الذي ذكرنا . فقد تكون الضحية المجرب عليها من قبيل فريسة لحيوان. ولكن مع ذلك فإن هذه الفريسة لا بد من حسن التعامل معها.
لقد تقدمت البحوث في مجال الجراحة تقدما تكنولوجيا مذهلا لكن لا يمكننا أن نعترف بأن الجريمة المنظمة قد تطورت بالتطور المذهل الذي رافق التطور العلمي التكنولوجي في المجال الطبي لأن العلم دائما يكتشف لكن الحيلة والمكر، وإن كانا دائما يستفيدا إلا أنهما لا يواكبان التطور العلمي في الجال الطبي. بل يبقيان دائما في التقليد وفي اغتنام فرصة القضاء على الفريسة. وهي هنا الضحية ضحية الاختطاف .
مما تقدم يتبين لنا أن جملة الظروف الملمة بعمليات الاختطاف من نوع الجريمة المنظمة قد يكون لكن مجالها سيكون محدودا هو الآخر لما تتطلبه العملية من إمكانت ومن وسائل ومن....من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الإختطاف كعملية منتظمة لا بد وإن تلاقي الدعم والسند من عابري الأوطان وعابري القارات. وهذا الأمر لا يكون متوفر لدى الأفراد بل من الممكن أن يكون متوفرلدى بعض جيوب بعض الدول !
هناك نوع آخر من الاختطاف والذي هو شائع وهو الاختطاف الانتقامي الذي أشرنا إليه سابقا : هذا النوع من الاختطاف غالبا ما يكون بين خصمان عنيدان متضاغنان لبعضهما البعض. وقد يتجسد في شكل ما بين مستبَدين(بكسر الباء) ومستبدين(بفتح الباء) وهنا يكون العراك شديدا بين الخصمان لكن عمليات الاختطاف من هذا النوع قد تأخذ في تنفيذها مدد طويلة، وقد تأخذ مدة قصيرة ، وغالبا ما تأخذ مددا طويلة. لأن المنتقم يبقى لسنوات وسنوات يتربص بفريسته حتى ما إذا وجد الفرصة السانحة نفذ عملياته. والتي هي هنا غالبا ما يكون الأطفال عرضة لها، باعتبار أن المنتقم منه غالبا ما يكون محاطا بحراسة شديدة، من القوة العسكرية، لكن البراءة يمكن أن يغفل عنها في الحراسة هذه. لأن الأطفال مشوارهم عادة هو المدرسة والمنزل. وإن كان أكثر فهو النزهة. ومن هنا فإن الطوق الذي يكون مضروبا على والد الطفل، لا يمكنه أن يكون مستمرا بالكيفية نفسها مع الطفل الإبن البريء. وعليه فإن اقتراف الجريمة يكون من الأسهل ومن الأيسر على منفذها. وهو هنا المنتقم والذي هو في حالة ثأر مما أخذ منه عنوة من (حرية سياسية وحرية اجتماعية وحرية طبيعية ) .