يقول عالم الذرة الفرنسي بيرتران فولد شبيث في كتابة ''المغامرة الذرية'':
إن فرنسا أجرت التفجيرات التحت أرضية بالجبال الغرانيتية، بإنيكر في الهفار بعد عام 1962 بموافقة الحكومة الجزائرية، وكان المسؤولون الفرنسيون أكدوا خلال الأزمة السياسية والدبلوماسية
التي نشبت بين الجزائر وفرنسا في شهر مارس من العام 1963 عندما قام الفرنسيون بتفجير قنبلتهم الذرية الثالثة ''الزمرد'' في 18 مارس 1963
إن اتفاقيات إيفيان تسمح لهم باستعمال قواعد ''رفان'' و''الهفار'' في تجارب نووية، وردوا على الجانب الجزائري بالقول إن التعاون المنصوص في الاتفاقية يشمل أيضا هذا الجانب، وبأن الجزائريين صوّتوا في 1جويلية على الاستقلال والتعاون مع فرنسا·
ومازالت هذه الحجج تستعمل من طرف الفرنسيين سياسيين أو مؤرخين كلما تعلّق الأمر بفتح ملفات الثورة وحرب التحرير··
وبدت تظهر مطالب جزائرية بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الإشعاعات النووية والنشاط الإشعاعي المدمر للغطاء النباتي والمياه الباطنية والحيوان والإنسان· هذه الأطروحات المغلوطة تكذبها الدراسات الجادة لباحثين فرنسيين وكذا المسؤولين الجزائريين، لأن اتفاقيات إيفيان لا تتضمن نصا يسمح لفرنسا بإجراء تفجيرات نووية في الأراضي الجزائرية، وهو ما يؤكده سيرج مورو، رجل قانون ومختص في القضايا الجزائرية في كتابة
''اتفاقيات إيفيان ومستقبل الثورة الجزائرية'' الصادر في ماي 1962 بدار النشر فراسوا ماسبيرو، الكاتب يتضمن النص الكامل لاتفاقيات إيفيان
مع تحاليل للنقاشات التي صاحبت كل قسم من هذه المعاهدة، مع المقارنة باتفاقيات الاستقلال التي أبرمت مع دول مستعمرة أخرى سواء مع فرنسا أو بريطانيا·
وفيما يخص قضية القواعد العسكرية، يقول سيرج مورو:
إن اتفاقيات إيفيان تحتوي على عدة اتفاقيات تعاون على المستوى الاقتصادي، المالي، الطاقوي، الثقافي، ولا يوجد بها اتفاق تعاون عسكري· أما القواعد والمنشآت بمرسى الكبير، رفان، الهفار، حمافير، بشار، إضافة إلى المطارات، فقد تم الاتفاق على أن تبقى القوات الفرنسية بها لمدة 5 سنوات· ويؤكد المحللون القانونيون:
سيرج مورو ومارك ديكوك وروجي لالمان، أن المفاوض الجزائري وافق على أن تبقى هذه القواعد العسكرية تحت تصرف الجيش الفرنسي بشرطين: الشرط الأول: هو عدم استعمال هذه القواعد مهما كانت الظروف كقواعد للقمع أو حفظ للأمن في الجزائر أو في دول أخرى بإفريقيا·
والشرط الثاني:
أن لا تشكل هذه القواعد خطرا على الصحة العمومية في الجزائر أو خارجها·· هذان الشرطان المذكوران في كتاب سيرج مورو لا يظهران بشكل واضح في نص الاتفاقية، هذا النص الذي لا يشير أيضا بوضوح لإمكانية إجراء تفجيرات، كما يدعي المسؤولون الفرنسيون·· وعن سؤال لنا للسيد دحو ولد قابلية، الرئيس الحالي لجمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة ''مالف'' أثناء محاضرة ألقاها في المركز الوطني للأرشيف ببئر خادم، هل سمحتم بشكل علني أو سري مباشر وغير مباشر لفرنسا باستعمال الأراضي الجزائرية لإجراء تفجيرات ذرية؟
فقال ولد قابلية ـ الذي كان وقتها في الثورة مسؤول القسم العسكري بقاعدة ديدوش مراد بطرابس، وكان ضمن اللجنة التي درست الاقتراحات الفرنسية وزودت الوفد الذي ترأسه كريم بلقاسم بالإجابات، قال: أبدا ''محال''··
مؤكدا تحليل سيرج مورو القائل: إن المفاوض الجزائري لم يسمح بأي شكل لفرنسا بتفجير قنابل ذرية في الصحراء الجزائرية· أما الحكومة الجزائرية بعد الاستقلال فإنها احتجت على تفجير فرنسا قنبلة ''زمرد'' يوم 18 مارس .1963 واجتمع مجلس الوزراء يوم السبت 17 مارس وحذر فرنسا وطالبها بعدم إجراء التفجير، وأخذت المأساة أبعاد أزمة، حيث قام وزير الخارجية المرحوم محمد خميستي بتحذير السفير الفرنسي· كما تم استدعاء سفير الجزائر بباريس آنذاك عبد اللطيف رحال (المستشار الديبلوماسي الحالي لرئيس الجمهورية)·
اجتمع المجلس التأسيسي للتنديد بالتفجير الفرنسي والمطالبة باتخاذ إجراءات ضد الدولة الفرنسية· كما نظم الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين مظاهرات عارمة رفعت فيها شعارات ''القنبلة في باريس''، ''إعادة النظر في اتفاقيات إيفيان''، واجتمع الرئيس بن بلة بالطلبة لتهدئة الأمور وتفادي أعمال عنف ضد الفرنسيين في الجزائر· كل هذه الأحداث التي تناقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، ومبعوث جريدة ''لوموند'' فيليب هرمان، تكذب أطروحة بيرتران فولد شميث·
لكن بعض الغموض لايزال يخيم على هذه المسألة، سيما وأن فرنسا أجرت تسع تجارب أخرى في الهفار، وكانت التجربة الأخيرة باسم ''جورجيت'' يوم 16 فيفري .1966 وفي سؤال للرئيس السابق أحمد بن بلة، في عام 2005، أكد لنا أنه رفض التجارب واستعملها ورقة ضغط لتأميم الأراضي الفلاحية وبالخصوص متيجة، وهي من أخصب الأراضي في العالم·
وما كان بالإمكان استرجاعها لأن اتفاقيات إيفيان تنص صراحة على بقاء الملكية المكتسبة للأوروبيين·
وقد غادر الجيش الفرنسي قواعد ''رفان''
تاركا عشرات الآلاف من الأطنان والمعدات المشعة تحت الرمال، وأحاط جبال إنيكر بالأسلاك الشائكة، في الوقت الذي صرفت فيه فرنسا ملايير الفرنكات لتطهير جزر موروروا وفانفاتوفا ببولينيزيا الفرنسية، وتفكيك المنشآت التي تركتها هناك· وهو الشيء الذي لم يحدث في الجزائر التي أودت فيها الإشعاعات النووية بحياة الإنسان والحيوان، وستبقى خطرا دائما على صحة السكان والبيئة لعدة قرون، دون أن تشغل هذه المسألة الخطيرة اهتمام السلطة.