مؤتمر القاهرة والاصطدام الثاني
كان هربرت صموئيل يهوديا متعاطفا مع الصهيونية، لكنه كان يضع مصالح بريطانيا في المكانة الأولى، وقد أصدر بعد شهر من توليه إدارة فلسطين تشربعا يقضي بدخول 16500 يهودي في السنة الأولى.
وقد عقد مؤتمر القاهرة في الأسبوع الثاني من مارس سنة 1921م بحضور وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل، والمندوب السامي في فلسطين، وشخصيات موالية لبريطانية مثل جعفر العسكري وساسون أفندي من العراق، وقد قرر المؤتمر:
1 – تنصيب الأمير فيصل ملكا على العراق، وبذلك هدأت الثورة في العراق مما أثر سلبا على الحركة القومية في فلسطين.
2 – تنصيب الأمير عبد الله أميرا على شرق الأردن.
3 – محاولة إقامة مجلس تشريعي في فلسطين ليحل محل المجلس الاستشاري الذي أقامه المندوب السامي، وقد فشلت هذه المحاولة ، وهكذا انفجرت اضطرابات يافا يوم أول أيار سنة 1921م، فقد وقع صدام بين العمال الهستدروتيون الصهيونيون بالعمال التابعين لحزب العمال الاشتراكي ( موبس) الخارجين على الصهيونية، والذين دعوا العمال إلى الإضراب في يوم عيد العمال العالمي، وقد تصدى عرب يافا للطرفين المتصارعين اعتقادا منهم أنهما يريدان بهم شرا، وقعت الاشتباكات قرب منشية يافا وامتدت كالنار في الهشيم، وقد تدخلت القوات البريطانية ضد العرب، وقد قتل 47 يهوديا و 48 عربيا وأصيب العشرات بجراح، وقد كتبت جريدة (جويش كرونيكال)مطالبة بإعطاء اليهود امتيازات في فلسطين بما يمكنهم من جعلها يهودية ، كما دعا جابوتنسكي إلى إقامة الدولة اليهودية بحيث يكون الجيش الذي أسسه من الفرقة اليهودية التي شاركت في الحرب العالمية الأولى نواة لجيش هذه الدولة، كما قال وايزمن في مؤتمر الصلح في فرساي عندما سئل عن قصده من تعبير الوطن القومي اليهودي بأنه يريد إقامة إدارة تجعل فلسطين يهودية مثلما بريطانية بريطانية .
أما العرب فقد ألفوا وفدا قوميا من أسياد الأرض والمال لزيارة بريطانية ، وقد تكون الوفد من : موسى كاظم الحسيني ، وتوفيق حماد، وأمين التميمي ، ومعين الماضي ، وشبلي الجمل، وقد طالب الوفد بتحقيق وعد بريطانية باستقلال فلسطين، وبذلك عكس مطالب الجماهير على الرغم من تركيبته الطبقية.
وقد وجدت بريطانيا نفسها أمام حركة قومية عربية تنمو باضطراد ، ومنظمة صهيونية ترتبط بالإمبريالية البريطانية ، وقد أصدرت بريطانيا كتابا أبيض في 22 حزيران 1922م ، وقد عزا هذا الكتاب مخاوف العرب إلى التفاسير المبالغ فيها لمعنى وعد بلفور، وقد فسر الكتاب معنى الوطن القومي اليهودي بأنه لا يعني فرض الجنسية اليهودية على العرب، كما أعلنت الحكومة البريطانية في هذا الكتاب عن نيتها في إقامة حكومة ذاتية واسعة بتأسيس مجلس تشريعي يتألف من المندوب السامي رئيسا وعشرة أعضاء منتخبين وعشرة أعضاء معينين .
أما في أمريكا فقد قرر الكونجرس في 30 حزيران 1922 قرار يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على ألا يصاب السكان الأصليون بالضرر، وقد أكد ريتشارد كروسمان أنه وقع حادثان بشرا بنهاية عصر السيادة الأوروبية على العالم، وهذان الحادثان هما: ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى، وشيوع فكرة حق تقرير المصير، وقد صادق مجلس عصبة الأمم على نظام الانتداب في فلسطين.