القائد عوادي عبد الباسط القـــائد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 779 تاريخ التسجيل : 21/11/2009 العمر : 42 الموقع : تغزوت - الوادي - الجزائر الغالية . :
| موضوع: المحاضرة العامة ( الأستاذ إبراهيم خالد ) بالملتقى الولائي الثالث للطريقة التيجانية بقمار الأحد أبريل 11, 2010 3:16 pm | |
|
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وبعد:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، إخواني أخواتي أهلا وسهلا بكم في هذا المكان البهيج وفي هذا الوقت المبارك ، محاضرتنا لهذا اليوم وهي المحاضرة الافتتاحية للملتقى الولائي الثالث للطريقة التجانية والذي يحمل عنوان: " التصوف : ارتباط بالأصل واتصال بعلوم العصر". التصوف: هو العلم الذي يهتم بتزكية النفس البشرية وترقيتها وإخراجها من حضيض الشقاوة والجحود النفساني ليرقيها إلى موطن السعادة والشكر الرباني كما قال صاحب كتاب سائق السعادة. وهذه التزكية لا تتأتى إلا بإتباع منهج قويم له أسس ثابتة ودعائم قوية ترتكز على الكتاب والسنة، مما يعني ارتباطه بالأصل، أي الدين الحنيف مجسدا في القرآن الكريم والسنة النبوية الغراء. وهذا الارتباط بالجذور هو الذي دفع هذا العلم إلى المسايرة الدائمة لروح العصر وما يشهده من تطورات علمية. ومعلوم أن المنهج الصوفي قائم على المجاهدة وتطهير القلوب من الأمراض التي تمنعها من الارتقاء في طريق السلوك الموصل إلى معرفة الله . فإذا طبق المريد الصادق هذا المنهج تهيأت نفسه وانجلت مرآة قلبه لتصبح على استعداد لمطالعة الأنوار القدسية، يقول الله تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ...)،الأنعام 122 الآية، هذا النور الذي يتمثل في الكشف الصوفي وهو عبارة عن حقائق إلهية قسمها بعض العارفين إلى أربعة : هي، حقائق ذاتية ،و حقائق صفاتية، وحقائق فعلية، وحقائق كونية(1)، وبذلك أصبح التصوف طريقا للمعرفة بعد أن كان طريقا للعبادة فحسب، أي أنه جمع بين البعد النظري والبعد الأصلي العملي(2)، يقول الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال :" ... ومن أول الطريق تبتدئ المشاهدات والمكاشفات، حتى أنهم في يقظتهم- أي الصوفية - يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصوات ويقتبسون منهم فوائد ...(3). وكما يقول العلامة عبد الرحمان بن خلدون في مقدمته حول الكشف الصوفي :"... ولما عني المتأخرون بهذا النوع من الكشف تكلموا في حقائق الموجودات العلوية والسفلية وحقائق الملك والروح والعرش والكرسي وأمثال ذلك ، وقصرت مدارك من لم يشاركهم في طريقهم عن فهم أذواقهم ومواجدهم في ذلك،..." (4)، إذ يشير بن خلدون هنا إلى خصوصية المعرفة الصوفية وانفرادها بلغة ذوقية خاصة، عبر عنها الصوفية في أشعارهم ومدائحهم الخاصة ساهمت في ترقية الذوق الجمالي لديهم. شهد التصوف بعد ذلك مرحلة التدوين، فدون الصوفية ما وصلوا إليه من علوم وأسرار ، واعتمدوا في كثير من الأحيان على لغة خاصة بهم هي لغة الرمز والإشارة، تجاوزوا بها الواقع الحسي إلى اللامحسوس في طريق وصولهم إلى معرفة الحقيقة. لأن اللغة العادية في نظرهم عاجزة في التعبير عن مواجيدهم، كما عبر عن ذلك أبو حيان التوحيدي بقوله:" إن محدود اللغة لا يمكن أن يحوز مبسوط الفكر" ، يقول ابن خلدون: "... وصار علم التصوف في الملة علما مدونا، بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال كما وقع في سائر العلوم التي دونت بالكتاب من التفسير والحديث والفقه والأصول وغير ذلك"(1). وأصبح لهذا العلم مصطلحاته ورجاله ومؤلفاته ومدارسه ومما فاجأ العلماء في عصرنا هذا اكتشافهم هذا الارتباط بين حقائق وصل إليها العلماء والباحثين وتطرق بعض علماء التصوف لها مثل وصفهم لبداية الكون، فاندفعوا للبحث والتنقيب في هذه المدخرات والموروثات ليتفاجؤوا مرة أخرى بأن هؤلاء القوم قد تكلموا في الطب وأساليب المعالجة الحديثة وتكلموا في التربية وأساليبها وطرقها، وكما نظروا للمال ووجوه كسبه وتكلموا في الفلك والنجوم و الرياضيات ونظرياتها الحديثة، مما دفعهم إلى فتح مخابر متخصصة تعنى بالبحث في علاقة التصوف بالعلوم الأخرى وهذا ما يدفعنا أكثر من غيرنا كمنتسبين للمنهج الصوفي وكباحثين عن الحقيقة التي يكون الغرض منها الإعلاء من شان الدين الإسلامي وعلومه المختلفة أن نبذل كل ما في وسعنا للاهتمام بهذا الموضوع " علاقة التصوف بالعلوم المختلفة بحثا ودراسة عساه يسهم في الدعوة إلى الإسلام الحق، خاصة وان كثيرا من أنصار الدراسات المقارنة وتاريخ الأفكار قد قادهم البحث في هذا الاتجاه إلى التعمق في دراسة التصوف الإسلامي واستبطان جوهره، بل أن الكثير منهم اعتنق الإسلام بسبب ذلك، من بينهم : رينيه جينو، ومارتن لنغز وبوركهات وغيرهم ممن وقفوا على أصالة التصوف الإسلامي وديناميته وقدرته على إشباع الظمأ النفسي والروحي لدي الإنسان المعاصر في الغرب من طريق الطاقات الهائلة التي تكمن في هذا المجال الحيوي المهم والتي تتجاوز في كثير من الأحيان الأحرف الصامتة للكلمات وذلك عن طريق التأويل الصوفي العميق والعودة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، النبع الصافي الذي يضيء النور في قلوبهم فيزيدها تلألأ وبريقا فتعلوا على مستوى الحس المادي إلى التحليق عاليا عالم الصفاء والنقاء الروحي، قال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن... الآية. ومساهمة منا في تفعيل الحركة العلمية وتنشيط الدائرة المعرفية عملنا على إنشاء عدد من النوادي العلمية المتخصصة في ميادين العلم والمعرفة كنادي الشريعة ونادي التكنولوجيا ونادي التاريخ والأدب والسماع الصوفي وعلم النفس والاقتصاد... ويتمثل نشاط كل نادي في ربط علومه ومعارفه بالتصوف ومحاولة الوصول إلى العلاقات الموجودة بين التصوف والعلوم الأخرى، وبعبارة أخرى، إنشاء همزة وصل تجمع علم التصوف بعلوم العصر الأخرى، مع الحفاظ على أصالته وثوابته الدينية، وذلك سعيا منا إلى الحفاظ على المنظومة الدينية بكل عناصرها (إسلام، إيمان، وإحسان). | |
|