الشعر الملحون أو النظم الملحون نظم شعبي توارثناه أبا عن جد، يحكي فيه الناظم عن أمور عديدة تتنوع بين المديح الديني وحب الوطن والغزل... إلخ، ينظم أولا وحسب رأي العديد من المؤرخين في هذا المجال بغرض تلحينه وغنائه.
يقول الدكتور عبد العزيز الأهواني في كتابه الزجل في الأندلس: " لسنا في حاجة لأن نثبت من الناحية العقلية ضرورة وجود الأغاني في المجتمع الإنساني كله، وإن الأغاني الشعبية قديمة العهد بين سكان المدن والبوادي وإن الحياة الإجتماعية بمناسباتها المفرحة والمحزنة قد حتمت التعبير الجماعي الذي يستعين بالآلة الموسيقية وبالتنغيم اللفظي، فاصطنع فن يجمع بين هذين الجانبين الموسيقى واللغة، وهو ما نصطلح على تسميته بالأغنية الشعبية".
وتنوعت أراء المختصين حول معنى النظم الملحون وجذوره، ففي نظر الدكتور حسين نصار أن الشعر الملحون لا وجود له في العصور الماضية، وذكر ما نصه: " ... لا خفاء في أن هذا الاسم أو إن نشأ الدقة هذا المصطلح عربي، أي مؤلف من ألفاظ عربية خالصة، ولكنه بالرغم من ذلك لم يلفظ به عرب الجاهلية ولا صدر الإسلام ولا عرب الأمويين أو العباسيين، وإنما ابتكرناه نحن عرب العصر الحديث ".
وقال جماعة من المؤرخين والنقاد أنه أدب متوارث جيلا بعد جيل بالرواية الشفوية، وحددوا له أربع خصال:
1- مجهول المؤلف
2- عامي اللغة
3- متوارث
4- بالرواية الشعبية
وقال آخرون أنه أدب يعبر عن مشاعر الشعب في لغة عامية أو فصحى.
وعند جماعة أخرى يعرف بأنه الأدب العامي قديما وحديثا، المسجل كان أو المروي شفاها، مجهول القائل أو معروفه.
ويعرفه الأستاذ محمد المرزوقي : " ... ذلك الأدب الذي استعار له الشرقيون من أوروبا كلمة (فلكلور) على خلاف في صحة إطلاق هذه الكلمة على ما نسميه بالأدب الشعبي بالضبط.
أما ابن خلدون في مقدمته فقال: " ... واستحدثوا فنا سموه الزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد، فجاءوا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة، وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان من قرطبة، وإن كانت قيلت قبله بالأندلس، لكن لم يظهر حلاها ولا انسكبت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه "، " ... ثم استحدثت أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح، ونظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضا، وسموه (عروض البلد) ، وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير، نظم قطعة على طريقة الموشح، ولم يخرج عن مذاهب الإعراب... مطلعها:
أبكاني بشاطئ النهر نوح الحمــــام *** على الغصن في البستان قريب الصباح
وكف السحر تمحو مداد الظــــــلام *** وماء الندى يجري بثغر الأقـــــــــــــاح
باكرت الرياض والطل فيه افتــراق *** سر الجواهر في نحور الجوار
ودمع النواعر ينهرق انهـــــــــراق *** يحاكي ثعابين حلقت بالثمــــار
لووا بالغصن خلخال على كل ساق *** ودار الجميع بالروض دور السوار
فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته، وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم، وكثر سماعه بينهم، واستفحل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافا إلى المزدوج والكازي والملعبة والغزل".
فمثلا المزدوج: يظهر على أنه زجل تام له طالع وأدوار ينظم في غرض الإرشاد والحكمة، وأورد ابن خلدون هذا المثل لابن شجاع:
المال زينة الدنيا وعز النفــــــوس *** يبهي وجوها ليست هي باهيا
فيها كل من هو كثير الفلــــــــوس *** ولوه الكلام والرتبة العاليا
يكبر من كثر ماله ولو كان صغيــر *** ويصغر عزيز القوم إذا افتقر
من ذا ينطبق صدري ومن ذا يصير *** يكاد ينفقع لولا الرجوع للقدر
حتى يلتجي من هو في قومه كبيــر *** لمن لا أصل عنده لا له خطر
لذا ينبغي يحزن على ذي العكوس *** ويصبغ عليه ثوب فراش صافيا
اللي صارت الأذناب أمام الرؤوس *** وصار يستفيد الواد من الساقيا
والملعبة: مثله، ولكنها تخص الملاحم غالبا:
وقد أورد لها ابن خلدون هذا المثل للكفيف الزهروني:
كن مرعي قل ولا تكن راعي *** فالراعي عن رعيته مسئول
واستنتج بالصلاة على الداعي *** الإسلام والرضا السني المكمول
على الخلفا الراشدين والأتباع *** وأذكر بعدهم إذا تحب قول
أحجاجا تحللو الصحــــــــــرا *** ودوا سرح البلاد مع السكان
عسكر فاس المنيرة الغـــــــزا *** وين سارت بوعزايم السلطان