تاريخ الاولمبياد في العصر الحديث
بانتهاء عصر الاغريق وبداية الامبراطورية الرومانية انحسرت الرياضة واختفت، لان الرومان لم يفهموا ان من أهداف الرياضة تنمية الروح المعنوية والعسكرية لدى الشباب، وكانت الفكرة السائدة آنذاك انما الالعاب الرياضية ممارسات وثنية، ومع توجه الثورة المسيحية في الامبراطورية وحملتها ضد الجمعيات الوثنية الممقوته عند اليونان..
الا ان ظهور عصر الفرسان في ذلك الحين ساعد على اعادة النظر بالالعاب الرياضية، ولا سيما الفعاليات البدنية التي كانت تمارس من قبل الفرسان عنيفة وكانت واحدة من مكوناتهم، فعادت في تلك الايام بعض الالعاب الرياضية في بعض الاقطار واخذت تستعيد عافيتها لتحتل مكانتها الاصلية لتحتل المقام السامي في مختلف نواحي الحياة.
وفي اواخر القرون الوسطى وبدايات العصر الحديث تألق بعض الرجال من ذوي الامكانيات العالية فنادوا بالاهتمام بالحركة الرياضية اهتماماً جدياً ومن بينهم الذي يقف في طليعتهم (كتس مش(han Fredrick Cuts Muths) الذي عاد للاسلوب الاغريقي وحمله اساساً لعمله في بناء البيت الرياضي من جديد واعادة الروح لالعابها، فاشتغل لمدة تزيد على النصف قرن معلماً في (فنلانترمنيومPhelantrophinam) في شينفيدال Schenphtnal وكتب كتابه الشهير (جمناستك الشباب عام) .1793
ان معظم معلومات وتمارين هذا الأستاذ كانت مبنية على الاسس الاغريقية القديمة بل هي بعينها غير انه اضاف لها تمارين التسلق والموازنة والرفع والحمل وتمارين السير اضافة إلى التمارين العسكرية.
وقد صنف التمارين تصنيفاً عملياً بحتاً بالنسبة إلى المهارة التي تتطلبها كل مجموعة على حدة فجاءت على الترتيب التالي:
1 ,.النط Leaping .
2 . الركض Running.
3 .الرمي Throwing.
4 . المصارعة Wrestling.
5 . التسلق Climbing.
وقد اكد في تعاليمه على اهمية التمارين الجمناستيكية ونشر افكاره بشكل مذهل في الدنمارك وظلت مستعملة لاكثر من قرن.
وكان يوجه طلابه عند تأدية التمارين في الهواء الطلق (ولا تنهك جسمك بالتمارين المفرطة اذ ان هذا يؤدي إلى تصلب في القوام ولا تقم باي عمل لا مبرر له لانه يسبب في انهاك الجسم او يحدث فتوراً وخمولاً فيه.(
وقد قام (كتس مش) بدوره كاملاً في نشر الوعي الرياضي ونشر التربية البدنية في اوروبا، ولكنه لم يكن وحده بل شاركه في ذلك (فردريك لدويج جان(Fradrik( Lndwig jahn
اذ ترك اثراً واضحاً لدى المواطنين في المانيا وقد اضاف (جان) إلى التمارين التي وضعها سلفه (كتس مش) تمارين اخرى كاللعب على الادوات الحديثة، فالمتوازي والنقلة كانتا اهم الادوات التي يستعملها اللاعب.
وفي السويد وضع الشاعر السويدي لنك Ling الحجر الاساس للجمناستك السويدي الذائع الصيت الآن في جميع انحاء العالم.
وكان اهم ما تركه (لنك) في وضعه طريقة خاصة للجمناستك، واصولاً جديدة في تدريسه كانت ولا زالت من المبادئ الجوهرية لتدريب القوى في تمارين الجمناستك والتي يجب ان تشمل الجسم جميعه لتنميته متناسقاً وقد ظهر ذلك واضحاً في قوله ((ان هدف الجمناستك هو بناء الجسم البشري بناءا صحيحاً بواسطة تمارين مناسبة.
وفي الدنمارك تفرغ الطالب اللاهوتي (فرانتزناشتيكال
Frantz Nchtejall ( ففتح مدرسة خصوصية للجمناستك في العراء بمدينة (كوبنهاكن عام (1799)
وأدخلت الألعاب الإنكليزية إلى الدنمارك قبل سنة 1900 ففي سنة 1897 الفت لجنة لدرس احسن الوسائل التي بموجبها يمكن نشر الألعاب وفتحت من اجل ذلك عدة دورات وركزت على ضرورة إدخال الألعاب الرياضية إلى المدارس وتدريب الطلبة عليها.
وفي عام 1904 أصبحت الرياضة مادة إجبارية في جميع مدارس البنات إضافة إلى مدارس البنين.
وجهزت جميع المدارس الابتدائية والثانوية على السواء بالملابس والأجهزة الرياضية وأسست القاعات الرياضية في مدارس الارياف فضلاً عن وجودها في مدارس المدن. اما في انكلترا فان الامر يختلف في سير التربية الرياضية منها عن سائر بلاد القارة الاوروبية اذ تعتبر من الالعاب والفعاليات الرياضية، فلم يرد في تاريخ أية امة انتشار الرياضة بين جميع طبقات شعبها كانتشارها في انكلترا.
فكانت تقام الرياضة في الهواء الطلق والالعاب تزاول في كل مكان منذ عدة قرون..اما السباقات فانها تحتل المكانة الرفيعة في حياة كل السكان بينما كانت اوربا مشغولة في تنظيم الجمناستك فقط.
ففي الوقت الذي دخل فيه الجمناستك في مدارس السويد والدنمارك كانت الالعاب على اختلافها مثبتة الاسس ومنتشرة في جميع جامعات ومدارس انكلترا الثانوية ومعاهدها التعليمية.
وفي نهاية القرن التاسع عشر عين مفتشون للتربية البدنية لاول مرة في برمنكهام وليفربول وما نجستر وبرستول وغيرها من المدن الانجليزية.
وكان ذلك عام 1890 وابدلت كلمة تدريب Drill بكلمة تمارين بدنية..
وفي سنة 1903 تأسست اللجنة الملكية لتبحث في الظروف التي جعلت التربية البدنية فعّالة في المدارس الحكومية وباقي المعاهد في سكوتلندا واقرت ان مثل هذه الظروف تعود بالنفع العام على الطلاب.
وفي سنة 1904 طبعت اللجنة تقريرها واكدت على ضرورة ادخال اكبر ما يمكن من الاصلاح على الرياضة في المدارس الابتدائية ومثلها درساً من الدروس المقررة في المنهاج الدراسي وليس هامشياً، والاستفادة من الساحات المدرسية والملاعب العامة في الالعاب المنظمة.
واول مجلد وضع في التربية البدنية Synabus of P.E حسب الطريقة السويدية وضع من قبل دائرة التربية البدنية عام 1904
وهكذا تطورت الالعاب الرياضية في كل انحاء العالم وفي انكلترا خاصة في عام 1917 اصدرت المصادقة الملكية على ميزانية التربية البدنية وحركة الانعاش فحققت مبلغ مليونين من الجنيهات الانكليزية وكان هذا المبلغ كبيراً آنذاك. وقد جعلنا هذه الفذلكة كمداخلة لبيان تاريخ الرياضة ما بين الاولمبياد القديم في العهد الاغريقي والاولمبياد في العصر الحديث الذي ابتدأ عام 1896م.
ان تاريخ الالعاب الاولمبية ظل مقترناً بالاغريق، ولئن اسندت الاسطورة إلى هرقل بن زوس HERACIES ZEUS او إلى زوس نفسه ابتداع وابتكار هذه الالعاب، فالملامح الاولى لتاريخها ترقى إلى القرن التاسع قبل الميلاد وانطلاقاً من عام 776 ق.م كما اسلفنا.
حينما شرع الاغريق الاولمبياد كل اربع سنوات وهو المرحلة الفاصلة بين دورتين رياضيتين..يوم لم تكن تلك الدورة في بداياتها ودورتها الاولى لم تشمل الا مباراة واحدة، الركض مدى الملعب البالغ 160م، وكانت تستمر يوماً واحداً فقط..وان المشاركين فيها من مدينة واحدة للحساسيات الموجودة بين المدن الاغريقية ونشوء حروب بينها، فوجدت هذه الدورة تلك المدن لان تشارك في الدورات القادمة على ان تعلن هدنة بين المتحاربين اثناء قيام الاولمبياد.
فاخذت جميع المدن تشارك في الاولمبياد واخذت الدورات تتسع لالعاب رياضية اخرى غير الركض، وتطور الركض نفسه فبعد ان كان المتسابقون يلغون الملعب ركضاً صار سباق السرعة من 800 إلى 3000م عبر اربع مراحل، وسباق نهاية الشوط عبر 24 مرحلة، المباراة الخماسية (ركض، قفز، ملاكمة، قذف الصحن، رمي الرمح) ثم سباق العربات واخيراً المصارعة الاغريقية التي هي مزيج من المصارعة والملاكمة وظل الامر هكذا إلى ان اصدر الامبراطور الروماني ثيودموس ايقاف الاولمبياد سنة 394 لاعتبارات دينية كما مر في الابحاث السابقة.
ولكن الالعاب الاولمبية التي كان يقيمها الاغريق ظلت راسخة في اذهان الرياضيين، وحلم يراود المولعين بالرياضة والمحبين لها والقائمين على شؤونها.
فجرت محاولات اربع قبل ختام الاولمبياد في العصر الحديث باءت اجمعها بالفشل، اذ كانت هذه المحاولات لاحياء الالعاب الاولمبية في اماكن كثيرة، وقد جرت في القرن التاسع عشر للميلاد من قبل الحكومة الفرنسية عام 1928 ثم عام 1875 ولكن لم يوافق الحظ هاتين المحاولتين.
وفي عام 1859 وبعد تحرر اليونان من الاحتلال التركي حاول الثري اليوناني (اريفانجليوس) بعث الالعاب الاولمبية من جديد، وكان يهدف بذلك إلى ازاحة النقاب امام مواطنيه عن امجادهم التليدة، ولكن محاولته لم تنجح بل باءت بالفشل ايضاً.
ان هذه المحاولة التي قام بها (اريفانجليوس) اخفقت رغم الجهود الكبيرة التي بذلها والاموال الطائلة التي انفقها اذ استحصل على موافقة السلطات اليونانية على اقامة دورة رياضية في اثينا بعد ان تعهد بان يتحمل جميع المصاريف المترتبة على ذلك ولكن عدم وجود ملعب كبير تقام عليه الدورة مما اضطر إلى اقامتها في شوارع اثينا وكان حضور الجماهير الكبير التي احتشدت لمشاهدة السباقات خلق عراقيل وصعاباً كثيرة.
وعلى الرغم من حضور (اوتون) ملك اليونان آنذاك، وكذلك كبار ورجال وموظفو دولته، الا ان الفوضى والاخفاق في اتمامها حال دون نجاحها بل فشلت فشلاً ذريعاً.
واعيدت التجربة لاربع مرات اخر في عام 1865 وعام 1870 و1889 ولم تكن نتائج هذه الدورات تختلف عن سابقاتها بشيء…
وكان من بين المصاعب التي اعترضت اقامة الدورات هي موضوع الانفاق على الدورة والتكفل بمصاريفها رغم ان الرجل انفق جل نفقاتها الا ان الحكومة اليونانية لم تتحمل ذلك منه في المرات اللاحقة.
وبقي الامر على هذا الحال إلى ان اخذ الفكرة رجل استقراطي فرنسي فاحش الثراء واسمه البارون (بياردني كوبارتين)، وبعد ان رسخ اقتناعه بضرورة الرياضة من جديد لفضائلها البدنية، فعرض في 25 تشرين الثاني عام 1892 فكرته ومشروعه بإقامة الالعاب الاولمبية على المؤتمر الدولي الأول في السوربون وبحضور الفي شخص وعدد من 13 بلداً، وفي هذا الاجتماع الفريد أطلق (كوبرنان ) صرخته ونداءه الذي يقول ((لقد دقت ساعة عودة الرياضة كي تؤدي دورها في بعث المحبة والاخوة والسلام في العالم من جديد)) فأقيمت الالعاب الاولمبية ثانية وبعد اربع سنوات كانت الدورة الفعلية الاولى..
ففي الرابع من نيسان (ابريل) سنة 1896 افتتحت الدورة الاولى للالعاب الاولمبية الحديثة على ملعب لم يكتمل اعداد مدرجاته، وعند ذلك تجسد حلم (كوبارتين) حقيقة واقعة.
وخلال هذه الدورة كان الفائز الاول طالباً اميركياً هو (جيمس كونوليلي) حيث سجل في القفزة الثلاثية 13.71م. وكان قد سافر إلى اثينا على نفقته الخاصة وكان بعده (اودين فلال) محاسب استرالي مقيم في لندن بعد ان حصل على اجازة من عمله لمدة شهر كامل ليشترك في المباريات، وقد فاز في سباق 800م و1500م وكذلك (زوبرت غاريت) وهو طالب اميركي فاز في قذف الصحن وكان لاول مرة قد مارس هذه اللعبة في مباريات العاب القوى اصاب الامريكيون حصة الاسد بينما اكتفى الفرنسيون بالفوز في سباق الدراجات والمبارزة بالشيش اما سباق المارثون فقد احرز قصب السبق (سبيـريدون اليوناني).
وهكذا بعثت الالعاب الاولمبية من جديد وسوف نرى في بحثنا القادم ماهية الألعاب الاولمبية وكيفية اقامتها وقوانينها والعابها ثم نعاود للدورات الاولمبية باذن الله.