تشكل المخدرات الانشغالات الكبرى للدولة المغربية والمجموعة الدولية على العموم، وذلك لتقاطعها مع مجموعة من الظواهر الإجرامية الأكثر خطورة وهذه هي الحقيقة التي تجعل من عملية قيام سوسيولوجيا المخدرات بالمغرب أمرا ممكنا وضروريا. ويرجع ذلك لسبب مهم وأساسي وهو سياق التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة. فقد دعت إلى محاربة المخدرات والجريمة. فجاءت أنظمة للبحث الميداني من أجل تحليل المعطيات المتعلقة بالزراعة غير القانونية كالكوكا والأفيون وزراعة القنب.
ففي المغرب قام البحث الميداني سنة 2003 على الاتفاق بين الحكومة المغربية والأمم المتحدة لمحاربة المخدرات، فكان موضوعه هو إنتاج القنب الإفريقي، أما في سنة 2004 جاء بحث ثاني ليقوم بالتصحيح.
فكان الهدف من هذا البحث هو قياس مدى نمو أو تراجع القنب الإفريقي، والقيام بدراسة على مستوى المداخيل والجودة وأيضا القيام بتشخيص دقيق للمظاهر السوسيولوجية لهذه الظاهرة.
فبالنسبة للقاعدة الجغرافية للقنب الإفريقي نلاحظ أنها منتشرة بكثرة وغالبا ما تكون حاضرة في الريف الأوسط، وامتدت المساحات منذ 20 سنة تقريبا، نحو الغرب في إقليم "شفشاون" والحصيلة تقريبا 120.000 هكتار وهذا شيء فظيع للغاية.
ففي بعض المناطق يتمثل السكان زراعة القنب كحق مكتسب، فبالنسبة للبعض يعد القنب لديهم مصدر الكسب القوت، بينما البعض الآخر ينظر إليه كوسيلة لمراكمة الثروات ...
بعدما اضطلعت على بعض الإحصاءات وجدت أن المغرب احتل المرتبة الثالثة عالميا في سنة 2003 بعد إسبانيا والباكستان. على مثل ذلك "سكان كثامة" وتعتبر من أقدم منطقة يزرع فيها القنب بالمغرب.
فمن جهة أخرى هناك انعكاسات على الظواهر الاجتماعية، حيث يسود النفور من العمل، وخاصة العمل الزراعي، كما سيود أيضا طغيان نمط العيش الحضري. و من جانب آ خر فترويج مستخرجات زراعة نبات القنب لها آثار وخيمة على المجتمع و خاصة بروز السلوكات المنحرفة، و القضاء على قيم التضامن، وانتعاش العلاقات الاجتماعية ذات المصالح المادية وتشتيت النظام الثقافي الجماعي.
إضافة،فإن سعر إنتاج زراعة القنب تراجع بعدما كان ب 7500 درهم أصبح 1500 درهم مما أدى إلى انخفاض مداخيل الساكنة المعنية، وبروز الفقر، وكذلك العيش في وضعية هشاشة اقتصادية واجتماعية.
- الجغرافية السياسية للمخدرات:
لكل مجتمع مخدر خاص به وذلك بحسب تاريخه وعمقه الاجتماعي، فهذه الظاهرة هي لصيقة بكل المجتمعات قبل ظهور عولمة الثقافة وعولمة الحضارة. فكل مجتمع يستخدم المخدر في استعمالات خاصة. فأمريكا اللاتينية تستخدمه في طقوس دينية وتستعمل نبات "الميسكال"، وأخرى تستخدمها في طقوس الضيافة والمرح والأكل. ففي المغرب يستخدمون "الحشيش" مثلا، و"المشروبات الكحولية". فهذه الأنواع والأشكال من المخدرات أصبحت تستهلك بكمية كبيرة وهامة. فإلى جانب هذا نلاحظ أن هذه الظاهرة تخترقها العديد من الظواهر الإجرامية الأكثر خطورة كالمتاجرة في الأسلحة والإرهاب وتزوير الأموال والهجرة....
غير أن ما نلاحظه اليوم هو أن دول الجنوب الفقيرة هي التي أصبحت تتخصص في إنتاج المخدرات وكما تسمى "سموم الروح"، ودول الشمال الغنية هي التي تستهلك هذه السموم. إذ أن الطابع الكوني للإنتاج والاتجار في المخدرات واستهلاكها، أصبح شيئا واقعا. من نتائجها المباشرة إعادة النظر في الجغرافية السياسية للمخدرات . صحيح أن دول الجنوب لازالت منتجة للمخدرات و مصدرة لها بطرق غير شرعية. فهذه الأنواع من الظواهر كثيرا ما توظف في بعض الدول لأغراض غير مقبولة سياسيا و أخلاقيا. فمثل هذه الظواهر هي التي تحرك المجموعة الدولية الجهوية أو الجنائية للقيام بعدة إجراءات .
نلاحظ من كل هذا ثلاث أمور أساسية متعلقة بالجغرافية السياسية للمخدرات، وهي: جغرافية المخدرات بالسياسة، وانتهاء بتنوع موافق الدول من المخدرات إنتاجا واستهلاكا.
الديناميكية الإجرامية للمخدرات:
- المخدرات: مشكل صحة عامة أم مصدر تهديد للنظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي؟
أثبتت الدراسات الطبية أن العقاقير والمواد المخدرة تلتقي في كونها تحدث اضطرابا في وظائف النخاع الشوكي المركزي المسؤول عن وعي الإنسان، مما يحدث مضاعفات صحية، ومخاطر أمنية في المحيط الذي تستعمل فيه. أما هذه المخاطر سارعت الجهات الأمنية إلى معالجة ذلك بشتى قوانين كما هو الحال في ظهير 02 دجنبر 1922 الذي أصدر عقوبات زجرية بالنسبة لمستعملي المخدرات ومنتجيها والمتجرين فيها أو نقلها وحيازتها. وتوالت بعد ذلك ظهور قوانين أخرى مثل قانون 24 أبريل 1954. ووسعت بعد دائرة التحريم وإحداث مساطر استثنائية لحماية بعض الفئات من المستهلكين القاصرين. لكن الملاحظ هو أن التحريم بقي دائما مسلطا على المخالفات للتشريع الخاص بالمخدرات المنظور إليها كأنشطة فردية معزولة تتسبب في أضرار جسمية على الصحة الجسدية والنفسية والعقلية لمستهلكيها.
وفي هذا الإطار الجديد تفقد أنشطة الاتجار في المخدرات المحظورة خصوصيتها وتصبح مجرد عنصر في مشروع إجرامي متكامل، هذا الأخير قد يتخذ شكل كيان يوظف إمكانيات مالية ووسائل بشرية ويعتمد تنظيمها داخليا أو ابتزاز أموال بهدف تحقيق غرضه الأساسي المتمثل في ترويج بضاعته المحظورة وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. ويمكن التمييز بين أنشطة التنظيمات إلى ماهو متعلق بالجرائم الإستراتيجية أو الإحتياطية.
عمليا، قد يشكل الصنف الأول الجانب المرئي في نشاط التنظيم الإجرامي. ولكن الأعمال التي يشملها ليست بالضرورة هي الأكثر خطورة في المشروع الإجرامي، ودون أية محاولة لتقدير درجة خطورة أي صنف من هذه الأصناف يمكن اعتبار الأنشطة الأصلية بمثابة الفرض الأساسي للتنظيم الإجرامي، لكونها مصدرا لعائداته، بينما تهدف الثانية إلى توفير التغطية الأمنية اللازمة للتنظيم من خلال توفير شبكة للعلاقات العامة وضمان نوع من الانضباط الداخلي للمنتسبين وإبعاد عوامل الإزعاج الخارجي والاحتماء من المخاطر الجنائية التي تهدد التنظيم.