بسم الله الرحمن الرحيم
النبي صلى الله عليه وسلم كباقي البشر يتأثر بالمواقف التي تستوجب الضحك والفرح ويتفاعل معها، ويضحك لها، وكذلك المواقف المحزنة التي تستدعي الحزن، فيتأثر بها نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم ولا يستطيع التحكم في دموعه التي تتساقط على وجنتيه حتى تبلل ملابسه.
فعن جابر بن سمرة قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يضحك الا تبسماً”...
ووصفت السيدة عائشة ملامح ضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقالت رضي الله عنها: “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً أي مبالغا في الضحك قط حتى أرى منه لهواته أي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم انما كان يتبسم”.
والثابت أن ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرجه عن وقاره وهيبته وعظمته وأدبه وقد وردت أحاديث عدة بذلك: ففي حديث جابر بن سمرة: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك”.
وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تبسم في وجهي. وفي رواية: إلا ضحك. وفي حديث عبد الله بن الحارث الزبيري قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية عنه: ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تبسما.
والواضح أن جل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كان التبسم، وربما زاد على ذلك حتى تبدو نواجذه، أي أضراسه فكان ضحكه صلى الله عليه وسلم فيه وقار ولا يصدر عنه صوت أو قهقهة ونحو ذلك.
الضحك
وردت احاديث تبين ملامح وقسمات ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن عمر رضي الله عنه قال: “ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أحسن الناس ثغراً”.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
والناظر الى جملة الاحاديث التي وردت في صفة ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، يجد أن معظم ضحكه صلى الله عليه وسلم كان التبسم، وفي بعض الأحوال ربما ضحك حتى بدت نواجذه.
ويذكر ان المصطفى عليه الصلاة والسلام كان دائم التبسم، ومن أحسن الناس ثغراً وأطيبهم نفسا وكان صلى الله عليه وسلم في بيته من أكثر الناس تبسما، كما كان يبتسم عندما ينشد الصحابة الشعر ويتضاحكون. فعن جابر بن سمره رضي الله عنه سئل: “أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كان طويل الصمت، وكان أصحابه يتناشدون الأشعار، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ضحكوا”.
وسئلت السيدة عائشة رضي الله عنها، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خلا في بيته، فقالت: “كان ألين الناس وأكرم الناس،وكان رجلا من رجالكم إلا أنه كان ضحاكا بساما”.
ولم تقتصر بشاشه النبي وضحكه وفرحه مع اصحابه فقط، بل كان لاعدائه جزء منها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم طلق الوجه بشوشا حتى مع من لا يحبه، وكان اذا قابله واحد من اعدائه تبسم في وجهه، وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من عيينة بن حصن يدل على ذلك،فقد كان هذا الرجل من جفاة الاعراب الذين يتآلفهم النبي صلى الله عليه وسلم رجاء ان يسلم قومه فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه.
وكان جابر بن عبد الله قال: “دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم،قال: أذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا، قال: فقال عمر: لأقولن شيئا اضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لو رأيت بنتاً خارجة سألتني النفقة فقمت اليها فوجأت أي طعنت عنقها”.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “هن حولي كما ترى يسألنني النفقة”.
ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضحك من تغير طبيعة المرء بتغير الحال والظروف التي يكون فيها، ففي موقف سقيا المطر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم مما رآه من تناقض عندما تغير حال الناس الذين ارادوا المطر.
وتقص السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك الموقف فتقول: “شكا الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد على المنبر فكبر وحمد الله سبحانه وتعالى ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إيان زمانه عنكم، وقد أمركم الله ان تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم.. ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول الى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم اقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين فانشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شئ قدير وأنني عبد الله ورسوله”.
فرح بالنصر
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرح ويضحك عندما يحقق ما يريد، وخاصة عندما ينصره الله على أهل الكفر والشرك، ومن هذه المواقف، لما كان يوم أحد جاءت نسوة من المؤمنين الى ساحة القتال بعد نهاية المعركة، وكانت في هؤلاء النسوة أم أيمن، وكانت رأت فلول المسلمين يريدون دخول المدينة، فأخذت تحثو في وجوههم التراب، وتقول لبعضهم: هاك المغزل، وهلم سيفك، ثم سارعت الى ساحة القتال، فأخذت تسقي الجرحى، فرماها حبان بن العرقة بسهم، فوقعت، وتكشفت، فأغرق عدو الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع الى سعد بن ابي وقاص سهما لا نصل له، وقال: “ارم به” فوقع السهم في نحر حبان، فوقع مستلقيا حتى تكشف، فضحك رسول الله، حتى بدت نواجذه ثم قال: “استقاد لها سعد”.
وجاء رسول قيصر الروم يحمل رسالته الى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليه رسول الله الاسلام، فأبى ان يسلم، وقال إنني اقبلت من قبل قوم وأنا فيهم على دين، ولست مستبدلا بدينهم حتى أرجع اليهم. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تبسم، وقرأ قول الله تعالى: “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” سورة (القصص 56).
ومن الاشياء التي كانت تضحك وتفرح النبي صلى الله عليه وسلم المواقف والحوادث المتناقضة، ومنها ذلك الرجل الذي عليه كفارة ظهار مع امرأته وقبل ان يكفر عن الظهار والتكفير عن الظهار بعتق رقبة، وان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولكن الرجل قبل أن يقضي الشهرين وقع على زوجته، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لتبريره وذكره السبب في ذلك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إن رجلا ظاهر امرأته فغشيها قبل ان يكفّر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: ما حملك على ذلك ؟ فقال: يا رسول الله، رأيت بياض حجليها في القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ألا يقربها حتى يكفّر”.
ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضحك ويفرح من الافعال التي تقوم بها بعض أزواجه أمامه مزاحا، وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: “أتيت بخزيرة طبختها، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، كلي، فأبت، فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك، فأبت فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت وجهها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فمر عمر فقال: يا عبد الله.. يا عبد الله، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجهيكما، تقول عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم