مرحلة ما قبل الصهيونية
يرى ناحوم سوكولوف أن تاريخ إسرائيل يبدأ بالصهيونية، وأن الخروج من مصر كان مثالا للجمع بين الهجرة والكولونيالية " استعمار الأرض"، كما يرى أن العودة من بابل كانت حدثا عظيما، وقد خالف هذا التوجه بن هلبرن الذي يرى أن الانعتاق أدى إلى مساواة اليهود بالمواطنين عامة بعد الثورات البورجوازية في القرن التاسع عشر، وقد نسجت الصهيونية أسطورة الشوق الخالد إلى صهيون بعد الشتات، حيث زعمت الصهيونية أن القوى الظالمة فرضته على اليهود، وقد نسف التاريخ هذه الأسطورة لأن اليهود رحلوا عن أرض الميعاد( التي يزعمون أنهم عاشوا فيها) طلبا للرزق وهربا من الجوع، كما عادوا إلى الهجرة بعد قيام ملك إسرائيل وقبل السبي البابلي، وقد فضل معظم المنفيين البقاء في بابل، وأنه لم يعد من السبي أكثر من ستين ألف يهودي حسب أقوال عزرا ونحميا.، وفي تاريخ كمبردج القديم ج9 ص 429 نجد أن نسبة اليهود في أرض الميعاد هي الربع بالنسبة للسكان، أما في مصر فكان عددهم مليون من ثمانية ملايين، ولذا نجد أنه من التجني الحديث عن الصهيونية منذ فجر التاريخ، وقد حافظ الرومان على ازدهار الطائفة اليهودية الاقتصادي في الإسكندرية، وقد أدى انهيار الإمبراطورية العربية الإسلامية إلى انتقال مراكز استيطان الطوائف اليهودية من شرق البحر المتوسط إلى أوربا التي كانت تتطور بسرعة.
الثورات البورجوازية وانعتاق اليهود
طالب اليهود بإقامة الغيتوات ( المعازل) الأولى في أسبانيا وصقلية في العصر الوسيط باعتبارها رمزا ماديا لتنظيمهم الذاتي، وقد اكتشف بعض اليهود أخطار هذه السياسة الانعزالية في القرن السادس عشر، ولكن هذا الاكتشاف جاء متأخرا حيث فرض على اليهود أن يعيشوا في أحياء مغلقة خاصة بهم، وقد اشتغل اليهود بالتجارة والربا بعد تحريم الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا التعامل بالربا بين المسيحيين، ومع ذلك لم تشكل تجمعات اليهود طبقة واحدة بل كانوا عبارة عن طبقات مختلفة مثلهم في ذلك مثل بقية السكان الأوروبيين بل كانت نواة تجارية مالية وطائفة انعزالية.
وقد طلب الرابي منشي بن إسرائيل من أوليفر كرومويل حاكم بريطانيا أن يسمح لليهود بالاستيطان في بلاده، وكان يعلن أن على اليهود أن ينتشروا في أنحاء المعمورة قبل أن يعيدهم الرب إلى أرض الميعاد، وقد بدأ اليهود باكتساب ميزات القوميات التي كانوا يعيشون في بلادها ويمتزجون بها؛ وقد انعقد السنهدرين بحضور ثمانين شخصية دينية وعلمانية من المناطق المختلفة التي كانت فرنسا تسيطر عليها ، وذلك في أوائل شباط ( فبراير) سنة 1807م لإعطاء أجوبة عن أسئلة محددة مثل: أيحق لليهود تعدد الزوجات؟ أيصح الطلاق في اليهودية؟ أيمكن الزواج بين اليهود والنصارى؟ ؟ أيعتبر اليهود الذين ولدوا في فرنسا ، فرنسا وطنا لهم؟ هل تشجع القوانين اليهودية الربا بين اليهود؟
يرى المؤرخ هوارد مورلي أن السنهدرين أكد أن اليهود أداروا ظهرهم إلى فكرة وجودهم كأمة " كتاب مسيرة التاريخ اليهودي المعاصر ص 63"، وقد قال المالي اليهودي الكبير إبراهام فورنادو: " لسنا نؤلف أمة داخل أمة أخرى ... إن فرنسا وطننا " ، وقد أصبح أبناء الطوائف اليهودية يعلنون أنهم فرنسيون وبريطانيون وألمان يدينون بالدين اليهودي، وقد تفاوتت عملية انعتاق اليهود بسبب التطور غير المتعادل بين أقطار أوروبا؛ فقد بقيت القيود على اليهود في روسيا القيصرية زمنا طويلا بعد أن حطمت الثورة الفرنسية جدران الغيتوات في فرنسا، وقد تمايز اليهود طبقيا في روسيا، حيث تخلص الأغنياء من عبء الاضطهاد الطائفي في حين حلت المصائب بجماهير اليهود مثلما حلت بفقراء الإمبراطورية الروسية، ولهذا بدأت الحركة الصهيونية نشاطها في روسيا في ظروف يقظة الوعي الطبقي بين جماهير العمال اليهود الذين انخرطوا في العملية الثورية، وقد حاولت الصهيونية إبعاد اليهود عن هذه العملية الثورية.