تعد الفنون الصوفية إرثا حضاريا مشتركا بين مختلف البلدان العربية والإسلامية. وتكمن ميزة هذا النمط الموسيقي في عدة جوانب: أهمها ارتباطه الوثيق بالجانب الديني حتى أن بعض المذاهب التي حرّمت الاستماع إلى الموسيقى والغناء، لم تحرّم فيما حرّمت الانشاد الصوفي.. ثمّ تبرز الميزة الثانية الهامة في أن هذا النوع من الثقافة الصوفية، الثرية بألوانها الموسيقية والغنائية، تمتدّ من مشرق العالم العربي إلى مغربه وخليجه، إلى جانب أنها تمثّل نقطة التقاء وقاسم مشترك يصل مختلف البلدان الإسلامية. هذا بالإضافة إلى أن الموسيقى الصوفية متجذرة في الثقافة الإسلامية وهو ما يعكس قيمتها وهويتها وأبعادها الفنية والحضارية.
وللإنشاد الديني، بمختلف أنواعه ومنها الإنشاد الصوفي، قصة تؤكدها كتب التراث تقول بأن بدايته كانت مع بداية الآذان حيث كان بلال المؤذّن يجود فيها كل يوم خمس مرات، ويرتلها ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب. ومن هنا جاءت فكرة الأصوات النديّة في التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان، وأصبحت له قوالب متعددة وطرائق شتى.
وكان أسلوب الترتيل هو الأسلوب السائد في ذلك الوقت، والترتيل يأخذ نغمة واحدة وطبقة صوتية واحدة وإن التلون به صعب لما يمتاز به من إيقاع سريع وكان صوت عبد الله ابن مسعود من أكثر الأصوات ترديدا للقرآن الكريم ثم أصبح تجويدا بعد ذلك بقوالب موسيقية وطرق متعددة. ولقد أصبح الإنشاد الديني في العصر الأموي والعباسي فنا له قواعده وأصوله وإيقاعاته. ولقد تميز في هذا اللون من الغناء الديني وتلحين القصائد إبراهيم بن المهدي وعليّة أخته وعبد الله بن موسى الهادي وأبو عيسى بن المتوكل وآخرين