طبيب خاص للعيون العربية

في عيادة أخصائي أمراض العيون المليئة بالمرضى من مختلف الأجناس والأعمار جلس سعيد بانتظار دوره للدخول عند الطبيب, وبعد أن ضاقت نفسه بسماع آهات المرضى من الألم وبعد أن تأخر دخوله عن الموعد المحدد بقرابة الساعة جاء الفرج وفتح باب عيادة الطبيب ودخل سعيد على الطبيب الذي سأله فورا: أهلا سيد سعيد مما تشكو ؟
أجاب سعيد بعفوية: والله يا دكتور الشكوى لغير الله مذلة ولكن تعرف أوضاع المواصلات والغلاء وأزمة السكن والبيروقراطية والفساد ووو...
قاطعه الطبيب بحدة قائلا: يا سيد سعيد أنا لا اقصد شكاويك على أداء الحكومة سؤالي بسيط وهو عن المرض الذي تعاني منه ؟
أجاب سعيد: آسف يا دكتور حسبتك تتكلم عن أداء الحكومة أما مرضي فهو مرض كل مواطن يعاني من الأمرين في عيشته فعندك مرض الواسطة ومرض الفساد ومرض البطالة وو....
نهض الدكتور من على كرسيه غاضبا وقال: يا سيد سعيد لا أقصد الأمراض الاجتماعية, بل ما هو وجعك ؟
أجاب سعيد: والله ليس هناك وجع أشد إيلاما من فلسطين وعندك وجع العراق المزمن وأوجاع الصومال والسودان ولبنان واليمن و كل وجع منها يطير النوم من عين أي إنسان عنده ذرة ضمير.
ضرب الطبيب كفا بكف وقال وهو يصر أسنانه من العصبية: يا سيد سعيد الله يخليك أنا عندي أولاد أريد أن أربيهم لا توديني في مصيبة عيونك ما بها؟
أجاب سعيد: عيوني لك وللسيد الرئيس دكتور.
أجاب الطبيب: الله يحفظك هل تعاني عيونك من شيء ؟
أجاب سعيد وهو يتنهد بحسرة: والله يا دكتور أحس أحيانا بأنني أعاني من قصر نظر مثلي مثل كل العرب.
سال الطبيب باهتمام: كيف؟
أجاب سعيد: والله في تحليلي للأمور السياسية والتمييز بين العدو الحقيقي والصديق الحقيقي وفي الخلافات المذهبية والطائفية وفي احترام العلم والعلماء والأدباء والمفكرين لدينا قصر نظر فظيع..كما أني أشعر أحيانا بأني أحول وأرى الأمور بشكل غير سوي فأرى نفسي وجماعتي دوما على حق والآخرين دوما على باطل.
أجاب الدكتور وهو يكاد يبكي غيضا: حسبي الله ونعم الوكيل على هذا النهار وماذا تريد مني بالضبط ؟
أجاب سعيد بلهفة: أريد منك أن تركب لي عدسات أو تعمل لي عملية تصحح نظري، كي أرى ما يجمعني بإخوتي ولا أرى ما يفرقني عنهم أريدها أن تجعلني أرى حاضري ومستقبلي ولا انظر فقط خلفي أريد منك عدسات تجعلني أرى هموم إخواني مهما بعدت المسافات هل لديك مثل هذه العدسات؟
قال له الطبيب: عندي ولكنك لن تحتاجها.
سال سعيد مستغربا: لماذا يا دكتور؟
رد عليه الطبيب وهو يوجه له لكمة على عينه: لأنني بعد أن أنتهي من ضربك لن ترى أي شيء لمدة طويلة جدا كي تتعلم ألا تتكلم في السياسة ويكون عندك بعد نظر وتمتنع عن إتلاف وقت الأطباء في داء لا دواء له .