الحركة القومية العربية ووعد بلفور
ظهرت بوادر الوعي القومي العربي بالخطر الصهيوني عندما أثار النائبان شكري العسلي نائب دمشق، وروحي الخالدي نائب القدس قضية النشاط الصهيوني في فلسطين في مجلس النواب العثماني( مجلس المبعوثان)، وقد استشهد روحي الخالي بتصريح أحد زعماء الصهاينة مناحيم أوسيشكين الذي قال إن أماني الصهيونية هي نيل الميزة والأفضلية في فلسطين، وإنفاق الأموال لتأليف أمة يهودية في فلسطين واستيطان أرض الميعاد، وحذر الخالدي من أن عدد اليهود في متصرفية القدس بلغ مائة ألف وأن أغنياء اليهود ابتاعوا مائة ألف دونم، وأسسوا بنكا باسم: ( بنك الاستعمار اليهودي) لاستيطان البلاد، وقد حظيت القوى الصهيونية برعاية الإمبريالية والقوى الرجعية، وقد اتصل بعض القوميين العرب بقائدي الصهيونية ( يقوبسون) و (سوكولوف ) قبل الثورة التركية سنة 1908م للاطلاع على مدى استعداد الصهاينة لمساعدة الحركة القومية في ثورتها على الظلم العثماني، وقد قطع هذان الصهيونيان علاقتهما بهؤلاء القوميين حفاظا على علاقتهم مع الحكم العثماني.
مباحثات وايزمن فيصل
المعاهدة العربية اليهودية
تعرضت الحركة القومية لضربتين قويتين، تمثلت أولاهما بإجراءات القمع التي طبقها السفاح جمال باشا الذي أعدم واعتقل ونفي مئات من كبار القوميين العرب، وتمثلت الضربة الثانية في سيطرة العائلة الهاشمية على قيادة الحركة القومية العربية النامية، وقد اقتنع الهاشميون "الشريف حسين والأمير فيصل" بصدق نوايا بريطانيا الذين وعدوا الشريف حسين بإقامة دولة عربية واحدة تشمل شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب ( العراق وسوريا الطبيعية،) وقبل بيان الحلفاء الذي صدر في 8 نوفمبر سنة 1918م لتبديد الشكوك المتعاظمة في نوايا بريطانيا وفرنسا وأكد البيان على رغبة هاتين الدولتين في إقامة حكومات وطنية حرة في سوريا والعراق وجميع البلاد التي حررها الحلفاء، وكان حاييم وايزمن قد اجتمع قبل ذلك بحوالي نصف سنة ( أول حزيران سنة 1918م) بالأمير فيصل في العقبة، وطرح له أغراض الصهيونية ورغبتها في التعاون مع العرب، وقد وقع الأمير فيصل والدكتور وايزمن على معاهدة تنسيق بين الدولة العربية الموعودة وبين الدولة اليهودية، وكانت بريطانيا ترى أن هذا التقارب يخدم مصالحها بحيث تستخدم الصهيونية والحركة القومية العربية وحركة الأرمن لتوطيد مواقعها في المنطقة، وقد وجدت الصهيونية الدعم والتأييد من الإقطاعيين العرب ومن العناصر المتعاونة مع الإمبريالية البريطانية، بينما قاومتها الجماهير العربية منذ أن عرفت حقيقتها وأدركت أبعاد وعد بلفور، وقد أوصت لجنة كرين في تقريرها سنة 1924م بصيانة وحدة أراضي سوريا تلبية لرغبة الغالبية العظمى من الشعب السوري، ولكن الحركة القومية العربية بدأت تنقسم حسب تعدد الأخطار في المناطق المختلفة، فالفلسطيني يرى الخطر في الصهيوني، بينما يرى السوري أن فرنسا هي الخطر، في حين يرى العراقي ضرورة قيام الثورة ضد الإنجليز كما يرى ساطع الحصرى في كتابه ( يوم ميسلون)، وتبلور هذا التطور حين عقد الفلسطينيون في المؤتمر السوري العام مؤتمرا لهم في دمشق في 27 شباط 1920.
تعليق: (ما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد ارتكب الفلسطينيون الخطأ نفسه حين انفصلوا عن عمقهم العربي سنة 1974، وبذلك تم إعفاء العرب من مسئولياتهم تجاه فلسطين بعد إقرارهم بوحدانية تمثيل المنظمة للفلسطينيين )