نعني بمقاصد الشريعة هو مدى استجابة وتوافق الأحكام الشرعية إلى الأهداف والغايات التي جاءت من أجلها الشريعة.فالإسلام لا يضع القوانين الشرعية غاية في حد ذاتها بل كمرامي ومقاصد.وأنواع المقاصد الشرعية وراتبها ثلاثة هي:
أولاً: الضروريات: وهي التي تتوقف عليها المصالح الدينية والدنيوية وفقدها يؤدي إلى اختلال وفساد في الدنيا وحلول العذاب في الاخرة وهي خمسة:
.الحفاظ على الدين: الإسلام هو أول أهداف الشريعة الإسلامية لأن كل الحياة الإسلامية تفقد معناها إذا فقد الدين منها وعليه فلا بد على أحكام الشريعة أن تسنّ القوانين التي يحفظ بها وأول تلك الأحكام الشرعيّة هي الدّعوة الإسلامية التي توصل الإسلام إليهم وترك الأمر إليهم أن يسلّموا أو لا يسلموا. "لا إكراه في الدين" لكن طريق الدّعوة ليس دائماً سهلاً ميسوراً فقد تقوم دونه عوائق كبيرة ولذا فإن الشريعة أقرّت الجهاد، فهو الحلّ الذي لابدّ منه حين تصطدم الدّعوة بالمعاندين والمكابرين فقال تعالى:"لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(9)" وقال : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ(193)" وكل ذلك متعلق بدار الحرب أما دار السلم فإن الشريعة تبيح جميع الوسائل في المحافظة على الدين من البدع والتفرّق ومن المرتدّين والفسّاق والزنادقة.
.الحفاظ على النفس: إن الدين الإسلامي قد أعطى للنفس البشرية قيمها الكبرى كيفما كان أمرها مسلمة كانت أو غير مسلمة ومن هنا فإنّ أحكام الشريعة جاءت لتأكد ذلك فقد جعلت للقاتل حدّ القتل والجروح قصاص، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ إِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178)وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)" ، وليس هذا فحسب ، فقد أكّدت الشريعة الإسلامية على الناحية المعنوية التي تلحق الضرر بالشخصية أو العِرض فقد شرعت مجموعة من الحدود لزجر منتهكي الأعراض قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(4) ".
الحفاظ على العقل: لقد وهب الله للإنسان عقلا وفضله به على كثير ممن خلق، ولحفظه أباح الله تعالى له ما ينميه كالعلم وحرم كل ما يفسده ويضعفه كشرب المسكرات والمخدرات بكل أنواعها، وأوجب العقوبة على فعل ذلك.
.حفظ العرض والنسل: إن الحفاظ على النسل له سبيل واحد في نظر الإسلام هو الزواج ، وحرم ما سواه كتحريمه الزنا وتحريم الأنكحة الفاسدة كما حرم التزوج بالأقرباء كما حدّدهم القرآن والفقه سواء بطريق النسب أو الرضاعة أو المصاهرة وذلك حتى لا تختلط الأنساب وتمتزج الدماء
.الحفاظ على المال: لقد أباح الله للمسلم أن يمتلك ما شاء من المال غير أنه إذا تجاوز نصابا محددا فقد أوجب عليه فريضة الزكاة التي لا تبقي حجة للمتذرّع بالفاقة والعجز فيسمح لنفسه بالتخاذل والطمع و يتطاول على المسلمين بالغش والسرقة وغيرها من أساليب الكسب التي حرّمها الإسلام.قال تعالى:"وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(38) " وقال: " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275) "لقد وهب الله المال للإنسان و أباح له تحصيله وتنميته بالوسائل المختلفة المباحة، وللمحافظة عليه حرم السرقة وأوجب فيها لحد، وحرّم الغصب والغش والرّبا وأكل أموال الناس بالباطل.
انيا: الحاجيات: وهي المصالح التي يحتاج الناس إليها للتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم وفقدها لا يؤدي إلى الاختلال بل يلحق بالإنسان الحرج والمشقة فشرع الله الرّخص في العبادات، والتمتع بالطيبات، وأباح العقود التي تحقق للناس المنافع والحاجات، وشرع للحاكم حق العفو للحاكم، ودرء الحدود بالشبهات.
ثالثا: التحسينات: وهي المصالح التي يقصد بها الأخذ بمحاسن العادات ولا يترتب على تركها خلل ولا يلحق تاركها حرج أو مشقة مثل الطهارة وستر العورة وأخذ الزينة من اللباس ومسّ الطيب، ومنع بيع النجاسة، والأخذ بآداب الطعام...