قرار تقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل
روجت المحافل الصهيونية أسطورة كاذبة زعمت فيها أن الشعب الفلسطيني ساند النازية في الحرب العالمية الثانية، وقد استندت في ذلك إلى موقف زعماء الهيئة العربية العليا، وبذلك تكون الصهيونية قد حملت الشعب الفلسطيني مسئولية أخطاء بعض زعمائه، مع أن الشعب الفلسطيني رفض دعوة المفتي للتمرد، واستنكرت صحافته الغارة الألمانية على تل أبيب كما ورد في تقرير فلسطين للجنة الأنجلو - أمريكية سنة 1945 – 1946م.
وقد بلغ عدد اليهود في فلسطين في نهاية الحرب العالمية الثانية 660 ألفا، وبالتالي بدأت فلسطين تتحول من قطر له قومية واحد إلى قطر ثنائي القومي.ة
سياسة القيادة الصهيونية
صرح بن غوريون زعيم الماباي أكبر أحزاب اليهود بأنهم سيقاتلون الكتاب الأبيض وكأنه لا توجد حرب عالمية، وسيقاتلون في الحرب وكأنه لا يوجد كتاب أبيض، وقد حظيت المنظمة الصهيونية بدعم متزايد في أمريكا، وازداد نشاط النواب والشيوخ في الكونجرس من أجل إقرار مشروع بلتيمور الداعي إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وقد أدى الانتقال من الاعتماد على بريطانيا إلى الاعتماد على الولايات المتحدة إلى انتقال قيادة الحركة الصهيونية من حاييم وايزمن إلى بن غوريون، وقد قامت الحركة الصهيونية بنسف أكثر من سفينة تحمل مهاجرين يهود إلى مناطق غير فلسطين مثل السفينة بيريا في ميناء حيفا سنة 1940م لمنع سفرها إلى موريشوس، والسفينة أستروما في البحر الأسود وكانت تحمل 769 مهاجرا يهوديا، وقد تعاون كاستنر الذي كان يرأس لجنة إنقاذ اليهود في هنغاريا مع آيخمان النازي من أجل إنقاذ حوالي ألف من أغنياء اليهود، وفي مقابل ذلك سكت عن تصفية ربع مليون يهودي في هنغاريا تم إرسالهم إلى معسكرات الإبادة.
وقد قامت المنظمة الصهيونية بتدريب ما بين 30 – 40 ألفا من اليهود في الجيش البريطاني ، هذا عدا عن الذين كانوا يتدربون داخل فلسطين بعلم بريطانيا ، أو يعملون في أجهزة أمن البلاد، كما جرت عمليات تهريب السلاح في الوقت ذاته، كما استخدم البريطانيون رجال الهاغاناه في أوروبا والشرق الأوسط، وخصوصا في محاولة اغتيال مفتي القدس في بغداد ونسف مصفاة البترول في طرابلس في لبنان وفي عمليات الاستطلاع قبل احتلال سوريا ولبنان، وقد قال هيملر القائد الأمريكي من دائرة الاستخبارات أن خدمات اليهود الأمنية تكفل لهم الحق في أن يصبحوا أمة حرة في بلادهم.
سياسة الحركة القومية العربية
أصبحت الحركة القومية العربية دون قيادة بعد فرار زعمائها من البلاد ، فقد ذهب المفتي إلى برلين، وتم اعتقال آخرين مثل جمال الحسيني وأمين التميمي وإبعادهم إلى روديسيا، وقد توصل الكولونيل نيو كمب البريطاني إلى اتفاق خطي مع جمال الحسيني وموسى العلمي بوساطة وزير الخارجية العراقي يقضي بالتعاون في خطة على أساس الكتاب الأبيض تبدأ بإيجاد مجلس مديرين وصولا إلى تطبيق بقية المراحل، وعلى الرغم من الموقف السلبي للقيادة القومية من الحرب ضد النازية فقد دعت عصبة التحرر ( الحزب الشيوعي ) إلى تأييد الحرب ضد النازية مع المطالبة بالحريات الديمقراطية والحقوق القومية، وبسبب توسع النشاط الاقتصادي في فلسطين أثناء الحرب اتسعت الطبقة العاملة بدخول عشرات الألوف من العمال العرب إلى معسكرات الجيش البريطاني، ودخل ألوف آخرين إلى المنشآت العربية التي نمت في فترة الحرب، مما أدى إلى قيام اتحاد نقابات العمال العرب في حيفا ، وقد نضجت فكرة تنظيم حزب بورجوازي تشكل سرا من أصحاب المهن الحرة وقادة الحركة النقابية الإصلاحية، ولكن الصراع بين يمين الحزب ويساره عرقل نشاطه.
وقد قدم الموالون لبريطانيا مشروعا لحل القضية الفلسطينية عرف باسم الكتاب الأزرق، وكان المشروع شكلا من أشكال الهلال الخصيب بحيث تتوحد سوريا وفلسطين ولبنان وشرق الأردن في دولة واحدة يقرر الأهالي فيها شكل الحكم ، وتنشأ بعد ذلك جامعة عربية تضم العراق وسوريا الموحدة على أن تنضم غليها بقية الدول العربية متى شاءت ، وأكد المشروع على أن تكون القدس مفتوحة أمام جميع الديانات ، كذلك أعطى المشروع للموارنة واليهود حق التمتع بالحكم الذاتي.
وفي شباط 1944م وقع ممثلو مصر والعراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن والسعودية واليمن بروتوكول الإسكندرية الذي نص على إقامة الجامعة العربية، وقد نص ميثاق الجامعة العربية على أن فلسطين أصبحت مستقلة بذاتها غير تابعة لأي دولة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وقررت الجامعة اختيار مندوب عربي من فلسطين للاشتراك في أعمال المجلس إلى أن يتحقق استلال فلسطين.
أزمة الإمبريالية العامة بعد الحرب العالمية الثانية
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية والفاشية، احتل الاتحاد السوفييتي مكان الصدارة على الصعيد الدولي بعد دوره الحاسم في هزيمة النازية، أما في فلسطين فقد اشتد النضال لإنهاء الوجود البريطاني فيها، كما اشتدت الضغوط من أجل حل القضية الفلسطينية التي ازدادت تعقيدا بسبب وجود آلاف من اللاجئين اليهود من بقايا معسكرات الاعتقال، وقد وعد تشرشل وايزمن سنة 1942 بأنه سيرى ابن سعود سيد الشرق الأوسط (كان جون فيلبي موضع سر ابن سعود) شريطة أن يتفق مع اليهود ويعتمد عليكم في الحصول على أفضل الشروط، وطلب منه أن يبقى ذلك سرا، وأن بإمكانه أن يطلع روزفلت على هذا الأمر لأنهما معا يفعلان أي شيء إذا أرادا ذلك، ولكن شعور تشرشل بالتوافق مع أمريكا تبخر بعد انتهاء الحرب، فقد طالب ترومان خليفة روزفلت بإدخال مائة ألف لاجئ يهودي إلى فلسطين، وقد تشكلت اللجنة الأنجلو – أمريكية في نوفمبر 1945م من 12 عضوا مناصفة بين الدولتين لتسوية الصراع بينهما ، وقد أوصت اللجنة بإدخال مائة ألف يهودي إلى فلسطين وتسهيل الهجرة فيما بعد، كما أوصت بإلغاء القيود على بيع الأراضي العربية وفرض وصاية على فلسطين على أن يكون الحل دولة ثنائية القومية.
ولكن بريطانيا دعت إلى مؤتمر جديد في لندن بين آب 1946 ويناير 1947م لصيانة مصالحها، وقد اشترك ممثلون عن الدول العربية المستقلة في المشرق العربي ووفدا الحركة القومية العربية في فلسطين والوكالة اليهودية، وقد فشل المؤتمر لأن الحلول المقترحة كانت تراعي مصلحة بريطانيا بغض النظر عن مصالح طرفي النزاع في فلسطين، ولم تتطرق هذه الحلول إلى إنهاء الانتداب وجلاء القوات البريطانية عن فلسطين، وقد ركزت السياسة الصهيونية على التمسك بالانتداب والتحالف مع الإمبريالية ورفض إحالة القضية إلى الأمم المتحدة، وقد اقترح وايزمن منح بريطانيا حق إقامة قواعد عسكرية وبحرية وجوية إذا وافقت على إقامة دولة يهودية على 65% من أرض فلسطين، وكذلك إقامة قواعد أمريكية، كما أكد بن غوريون أن اليهود على استعداد لمنح بريطانيا قاعدة عسكرية ضد روسيا إذا وافقت على إقامة دولة يهودية في جزء من فلسطين.
وفي مايو 1947 عقدت هيئة الأمم اجتماعا طارئا وقررت تشكيل لجنة تحقيق دولية من السويد وكندا وأستراليا والهند وبيرو وهولندا وإيران وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وجواتيمالا وأوروجواي من أجل البحث عن حل ، وقد زارت اللجنة فلسطين واستمعت لقادة الحركة الصهيونية، أما قادة الحركة القومية العربية فقد قاطعوا اللجنة ورفضوا الشهادة أمامها، كما رفضت هذه القيادة دعوة الجامعة العربية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وغير مجزأة تشكل فيها حكومة ديمقراطية حسب دستور يضعه مجلس تأسيسي منتخب يحفظ حقوق اليهود المدنية والدينية والثقافية، وأصرت على الدولة العربية وأنها تعترف بمواطنة اليهود الذين كانوا في فلسطين قبل وعد بلفور.
وقد اقتنعت اللجنة بموقف أندريه غروميكو مندوب الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة في اجتماع طارئ، حيث أعلن أن الحل الأمثل هو قيام دولة مستقلة في فلسطين، وإذا كان ذلك مستحيلا فلا بد من التقسيم، وبالفعل صدر قرار التقسيم وإنهاء الانتداب في 29/11/1947م في الاجتماع العادي لهيئة الأمم المتحدة.
بين 1947 – 1975م
استغلت الدول الرجعية العربية قرار التقسيم في شن حملة تشهير ضد الاتحاد السوفييتي، بينما أيدت القوى التقدمية في فلسطين والوطن العربي القرار للأسباب التالية:
1 – نص القرار على تصفية الانتداب البريطاني وجلاء القوات الأجنبية عن فلسطين.
2 – يمكن القرار الشعبين العربي واليهودي من ممارسة حق تقرير المصير، بعد أن تأكد أن ذلك لن يتحقق في ظل دولة واحدة.
وحسب التقسيم الإقليمي بين الدولتين كان من المفروض أن يعيش في الدولة اليهودية 495000 يهودي، و 490000 ألف عربي مما يحرم هؤلاء العرب من حق تقرير المصير، كما قلص القرار حقوق الشعب الفلسطيني التي كانت تتمثل في حق تقرير المصير وإقامة دولة عربية مستقلة في فلسطين، وأصبحت سنة 1947م تتمثل في حق تقرير المصير وإقامة دولة عربية على جزء من فلسطين، ولم يعترف القرار بحق اليهود التاريخي في تقرير المصير وإقامة دولة في كل فلسطين، فقد اعترف القرار ليهود فلسطين بهذا الحق فقط، ورأى القرار ضرورة قيام تعاون اقتصادي بين الدولتين.