كثيرا ما نسمع هذه الكلمات : التصوف ، الطرقية ، الموريدين ، التجانيين ونسمع حتى على ملتقيات دولية تقام في هذا الصدد ، لكن هناك من له فكرة خاطئة عن هذا الموضوع وهذا يرجع الى تلقي المعلومة الخاطئة من الشخص الغير مؤهل لإعطائها او ........الخ
اردت اليوم ان اطرح هذا الموضوع الجد حساس واريد بعض الاثراء ان امكن والنقاش مفتوح لكم جميعا بكل موضوعية والكل حر في رايه.
وساعطيكم لمحة موجزة عن الطريقة التجانية واتمنى من الله ان اوفق في ايصال فكرتي :
لقد سجل التاريخ للتصوف عموما كونه ظاهرة صحية في المجتمعات الإسلامية و انه قد احتضن الإسلام روحا ومعنى في زواياه بعد سقوط الدولة العباسية التي سادت الأمم وتوسعت ما شاء الله لها التوسع على الأرض. لقد وقف رجال الصوفية و حموا المجتمعات الإسلامية من المناورات المسيحية التي لبت نداء القديس البابا أوربان الثاني الذي دعا إلى تحرير قبر المسيح بأورشليم و ما انجر عن هاته الدعوة من الأعمال الصليبية ومن هنا كان الشغل الشاغل لرجال الدين حماية الأمة الإسلامية والوقوف بجد والعمل على وحدتها من التفكك و الانشطار والانصهار (1).
كما قد سجل تاريخ الجزائر الوقفة الجادة للزوايا أيام الاحتلال الفرنسي خدمة للقران الكريم والسنة الشريفة واللغة العربية والعمل على تكتل الأمة وتحصينها من مناورات العدو. ولقد عملت الطرق الصوفية على نشر الإسلام وتعميمه في المعمورة بالكيفية الهادئة السلمية ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (.
ومن هاته الطرق الصوفية الفاعلة في الميدان الطريقة التجانية التي أسسها الشريف الحسني الشيخ سيدي أحمد التجاني t سنة 1196 ﻫ - 1782م. وهي طريقة سنّية ككل الطرق الصوفية في توحيد المرجعية الدينية وهي ما عبر عنها الفقيه ابن عاشر في منظومته المشهورة التي كانت تعلم للأطفال مع القرآن العظيم :
في عقد الأشعري و فقه مالك وفي طريقة الجنيـدي السالك
أي في تكوين ديني بأبعاد ثلاثة عقيدة أهل السنة والجماعة الأشعرية وفقه إمام المدينة المنورة في القرن الثاني للهجرة مالك بن انس t وطريقة التربية والتزكية الروحية المتصلة بأبي القاسم الجنيد السالك البغدادي. والطريقة التجانية دعوة ملحة لطاعة الله ورسوله r؛ ) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى باللهِ عَلِيمًا(.
لقد عملت الطريقة بفكر مؤسسها ومنهاجه في السلوك ووقفة رجالها عبر العصور للوصول إلى مجتمع أسمى يسود بين جنباته جوا من الروحانية والرحمة والمحبة يجعل الناس إخوة متحابين متعاونين متكاتفين تجسيدا لقول المصطفى r: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تدعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ".
التصوف روحانية والروحانية قوة اجتماعية , قال ابن سينا(1) رحمة الله عليه "الصوفي العارف شجاع يغلب نفسه في سبيل سعادة غيره" لأن من صفات العبادة الروحانية والزهد والورع وهاته مظاهر للقوة تعمل على تكوين مجتمع تسوده اللحمة في عالم الروحانية تستشرف النفس إلى الملأ الأعلى فتفيض عليها منه نفحات وإلهامات و معرفة لا تتأتى لذوي النفوس المادية الذين اشتغلوا بالمادة وأنفسهم عن الله, التصوف بصيرة والبصيرة صواب .
في فكر الطريقة التجانية ووصاياها تلحظ هذا الارتقاء الاجتماعي جليا منذ الوهلة الأولى التي تستلم فيها العهد بالورد حين تلقن الشروط فتوصى بالحفاظ على الفرائض وطاعة الوالدين والالتزام بالذكر اتصالا بالله. فبالعبادة ارتباط بالله تعالى وفي الطاعة وصلة الرحم بداية تفعيل الحياة الاجتماعية وتزكيتها وترشيدها تماشيا وتعليمات الشريعة الإسلامية الغراء .
الطريقة التجانية دعوة للخلق الفاضل كما قيل: " فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفا" وهي ارتقاء إلى الحقيقة تحمل أس كل خلق سني من روح للكرم والحرية وترك للتكلف فالمريد التجاني من اتصف بأروع الصفات الأخلاقية واتخذ الفضيلة مذهبا وشعارا فهاته تسمق بالأخلاق في المحيط الاجتماعي و تنشر الفضيلة .
الطريقة التجانية كما ورد على لسان مؤسسها ترسيخ لدين الله تعالى في الوسط الاجتماعي: " إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه "؛ وهي كذلك دعوة ملحة لمجتمع متماسك مترابط يشد بعضه بعضا كما جاء على لسان سيدي الحاج علي التماسيني الخليفة الأعظم لمؤسس الطريقة حين قال: " لا نكره أحدا في دار الدنيا سوى
الشيطان "،والشيطان مصدر غواية ووقوف في طريق الحق.
لقد حملت الطريقة التجانية رأية الأخوة عالية وراية المحبة حتى سمي المريد التجاني "الحبيب" من المحبة والصفا وهي مأخوذة من قول حبيب الحق r: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "؛ وقوله r: " كونوا عباد الله إخوانا " (1), ونسجل أن مؤسس الطريقة أرشد الكوكبة الأولى من المريدين سنة 1204ﻫ - 1789م لبناء الزاوية الأولى بقمار ( ولاية الوادي ) لتكون مركزا لاجتماعهم على الذكر والعلم و التعاون على البر والتقوى وتلاوة القران و هي على هذا من الاستمرارية اليومية طيلة أزيد من قرنين و لقد جسدت الزاوية التجانية المقولة الخالدة للشيخ الأكبر t: " وبسير زمانك سر " ؛ أي اجمعوا في تكامل التأصيل و التجديد ولذلك نجد الطريقة التجانية ساهمت في تطوير المجتمع وترقيته . بمساهمتها في تكوين إنسان متحضر عالي المستوى وفي نشر الصور الجمالية سواء في العمارة وترقية اليد العاملة.
و لقد سجل التاريخ للطريقة التجانية أنها ساهمت بقسط وافر في توحيد المرجعية الدينية فقه الإمام مالك و هذا ساهم في وحدة المجتمع وتماسكه في المغرب العربي:
ولقد سجل المفكر و المؤرخ الجزائري السوفي الجيلالي بن إبراهيم بن عامر في كتاب الصروف متحدثا عن دور الزاوية التجانية في ترقية المجتمع ". إن الزاوية التجانية و رجالها قاموا بدور عظيم في سبيل حفظ القيم الإسلامية و الروح العربية في هاته الربوع فقد متنوا الصلة الثقافية بين علماء تونس والجزائر ( سوف وريغ ). وتعتبر الزيتونة عند أهل الصحراء المثل الأعلى لطلاب الثقافة الإسلامية العربية".
الزاوية ودورها الاجتماعي:(2)
لقد حققت الزاوية الرابطة الاجتماعية. كما مكن هذا العقار المريدين من الاجتماع فيه ونشر فكر الطريقة وتلقين أورادها لكل مسلم أو مسلمة يرغب في الالتحاق عن طيب نفس بأهل الصفا و العروج مع الالتزام بالعهد على أساس شروط الطريقة المنبثقة من الكتاب والسنة يجتمع المريدون للسير على الطريق الأسقم المؤدي لرضى الله تعالى في الزاوية تفرغ لله .وفي الزاوية المحبة واللحمة والإخاء ونكران الذات. وفي الزاوية بحث ما يعود على المجتمع بالخير.وفي الزاوية رباط الصالحين السالكين إلى الله. والزاوية مساحة للخير و البركة و منارة لكل رشاد.
حلقة الذكر:
يجتمع أهل الصفاء يذكرون الله و يستغفرنه ويصلون على نبيه المصطفى صلى الله عليه و سلم جماعة و بصورة موحدة و قد ركزت الطريقة التجانية على هاته الصورة الجماعية في الذكر و أثبتت أنها أجدى.
في هذا التجمع دعم للجماعة وربط لأواصر الأخوة وتصفية للأرواح وقد يكون في هذا اللقاء اقتداء بالصلاة الجامعة التي تفوق صلاة المنفرد أضعافا مضاعفة و تحمل أبعادها.
العلاقة الطيبة للطريقة التجانية بجميع الطرق تجسيدا لوحد ة المجتمع :
ومن ذلك على سبيل المثال ما ذكره العارف بالله سيدي علي بن عمر أستاذ الطريقة الخلوتية أنه بعث تلميذه سيدي مصطفى بن عزوز الخلوتي إلى تماسين المحروسة لمقابلة الإمام سيدي الحاج علي التماسيني t خليفة الشيخ الأكبر مؤسس الطريقة t لتكميل التربية فلما وصلها استضافه الإمام t بالزاوية ثلاثة أيام وعند تمامها قال له :اذهب إلى أرض الجريد (تونس) فاتخذها موطنا فسار إلى نفط (تونس) وبنى زاويته كما أوصى الإمام التماسيني t سيدي الطاهر بن عبد الصادق t به خيرا وهذا انموذج يدل على أن الاختلاف في المسلك لا يفسد للود قضية.
دور الطريقة التجانية في إخماد نار الفتنة في الصحراء الجزائرية:
وقد أدى الخليفة سيدي الحاج علي التماسيني دورا مهما في إخماد نار الفتنة بين طرود و أولاد السعود بمنطقة سوف بالجنوب الشرقي للجزائر كما سعى بكل ما أوتي من قوة في بسط الأمن و الأمان أمام القوافل التي تجوب الصحراء الكبرى الجزائرية و التنسيق بين قبائلها و احتواء خلافاتها.
دور الطريقة التجانية في مساعدة ذوي الخصاصة:
كما أن الذين رصدوا ويلات الحربين الكونيتين الأولى والثانية وما حدث جرأهما من مجاعة و خصاصة أصابت الشعوب فلقد كانت الزاوية التجانية برجالها تنظم الحياة الاجتماعية و تطعم من جوع و تسقي من ظمإ وتؤوي المتشردين و لقد سجل التاريخ أن زاوية قمار كانت بها رحى للقمح لتملأ أفواه الجائعين و المعوزين و المغبونين كما أن الزاوية تخرج اليد الطولى في النكبات الطبيعية فعلى سبيل المثال ما حدث لمنطقة المغير "في نكبة 1969 م" حين أتلفت محاصيل التمور تحركت الزاوية التجانية و أعادت الأمل للنفوس بتقديم مساعدات كبيرة لرفع الغبن عن المنكوبين. واشرف شيخ الزاوية التماسينية شخصيا عن هاته العملية.
دور رجال الطريقة في حل خلافات بتن طوائف ومناطق كبرى:
لقد عجزت السلطات الاستعمارية المحلية في الجنوب التونسي لما نشيت فتنة في تطاوين كادت أن تأتي على الأخضر و اليابس و تهلك الحرث والنسل, أرسلت الطريقة التجانية وفدا بقيادة المقدم الكبير سيدي العيد بن سالم و تمكن الوفد المبارك بتوفيق الله أولا والحكمة ثانيا أن يعيد القاطرة من جديد إلى السكة , لقد كانت للكلمة التي ألقاها المقدم سيدي العيد نيابة عن الشيخ سيدي احمد رضي الله عنه أمام جموع المواطنين وقعا ايجابيا وكانت بردا وسلاما على النفوس فاطمأنت القلوب بعد اضطرابها و خمدت النار بعد اشتعالها وأبدل الله القوم الأمن والأمان بعد الحيرة والخوف , إن الطريقة التجانية سخرت جميع إمكاناتها وطاقة رجالها خدمة للمجتمع الإسلامي و ذالك بإصلاح ذات البين بين الناس بين الأفراد والجماعات و الدول تجسيدا لقول الله تعالى: " والصلح خير " .
الصلح بين الأفراد الذي قام به التجانيون لا يمكن تعداده لكثرته وهو مهمة كل تجاني يتعهد به حين يأخذ إذن الطريقة التجانية .
حل الخلافات والمنازعات والخصومات بتن القبائل أهل الأرياف بالمغرب الأقصى الشقيق:(1)
كادت تتحول هذه الفتنة إلى حرب أهلية طاحنة و لقد قام بالتهدئة سيدي محمود التجاني t سليل الشيخ سيدي احمد التجاني t.
الصلح بتن السودان ومصر:
قام بهذا الصلح المقدم سيدي محمد الحافظ التجاني المصري هذا الرجل تدخل عندما عجز رجال الحكم و الحكمة عن تسوية الوضعية وكاد الخلاف أن يتحول إلى شر مستطير تدخل الرجل وأرضى بالصلح الطرفين.
حرب التحرير في الجزائر والطريقة التجانية :
لقد ساهمت الطريقة التجانية بقوة في الثورة التحريرية الجزائرية المباركة و سجل أبناؤها مواقف مشرفة ودليل ذالك قوافل الشهداء في سبيل نصرة الدين والوطن ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ( الأحزاب23.
هذا وإن للطريقة التجانية رجال عظماء كرسوا حياتهم لخدمة المبادئ الشريفة خدمة للأمة المحمدية منهم من التحق بالرفيق الأعلى بعد أن جاهد في الله حق جهاده وصنع أمجادا سجلها التاريخ كل ذلك بقيادة الخلفاء y ومنهم من مازال على قيد الحياة يواصل المسيرة المباركة بكل تفان وإخلاص بقيادة أسد الطريقة الخليفة العام أمده الله بالصحة و العافية , رافعين راية القران الكريم والسنة المطهرة لا مبدلين ولا مغيرين ويحملون راية الإصلاح خدمة للمجتمع و العمل على ازدهاره واستقراره .
للأمانة هذه المعلومات اخذت من : كتابة الأستاذ: بالهــادف بن سالم.
تحية كشفية.