مفهوم التربية المدنية
يستخدم مصطلح التربية المدنية أو التربية للمواطنة للدلالة على نمط معين للعلاقات بين الأفراد في المجتمع، وتشمل هذه العلاقات: علاقة الفرد مع الفرد، وعلاقة الفرد مع الجماعة، وعلاقة الجماعة مع الجماعة، ويقع ضمن هذه العلاقات العلاقة بين المواطن العادي وصاحب المركز في السلطة، وبين المواطنين العاديين بعضهم ببعض.
وتعالج التربية المدنية في جوهرها المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات. والمواطنة هي الصلة أو الرابطة بين الفرد والدولة التي يقيم فيها بشكل ثابت، وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهها. ويمكن القول أيضا أن المواطنة مكونة من مجموعة من العلاقات التي تتم بين الفرد والدولة أو المجتمع والتي تجسد حقوق الفرد وواجباته.
بالطبع، كل شخص هو مواطن بالولادة ويتمتع بمدى كامل من الحقوق السياسية في الدولة التي يعيش فيها، لكن ليقوم المجتمع الديمقراطي بوظيفته وليمارس كل شخص مواطنته بشكل كامل، فإن التربية المدنية يجب أن تعتبر جزءا هاما من التربية التي تمارس في المدرسة، وبهذا فإن التربية المدنية لها وظيفة سياسية.
وتؤكد التربية المدنية أو المواطنة على الهوية الإنسانية للمواطن في إطار جغرافي وثقافي واجتماعي وسياسي، هوية يمارس من خلالها حياته بالولاء والانتماء والاعتزاز بالجماعة المحيطة والوطن والأمة التي ينتمي إليها والإنسانية التي تميزه عن غيره من المخلوقات.
إن التربية المدنية ليست سوى وسيلة من وسائل تنوير المواطن وتفتيح ذهنه ومشاعره على حقيقته من حيث أنه عضو حر في الدولة، يتساوى مبدئيا مع سائر أعضائها في الحقوق والواجبات، ويشارك في حياتها ،وواجبه المشاركة على جميع الأصعدة بحسب المؤسسات والأنظمة القائمة فيها.
إن حاجة المواطن للتربية المدنية ملحة ليتمكن من القيام بالأدوار المتوقع أو المطلوب منه القيام بها تجاه نفسه وأسرته ووطنه/قطره الصغير، ووطنه الكبير والعالم أجمع. وتتناسب درجة هذه الحاجة مع درجة تحضر المجتمع في القطر وتمدنه وتعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية فيه. أما طبيعة هذه التربية ومحتواها فيعتمدان على طبيعة أو شكل النظام السياسي والاقتصادي القائم، فهي:تكون في المجتمع الديكتاتوري المنهج سياسيا واقتصاديا شكل من أشكال التدجين.وتكون في المجتمع الديمقراطي المنهج ضرورة تربوية أو حياتية لا بد منها لتحرير المواطن وتزويده بالمعارف وتربيته على القيم والاتجاهات والمبادئ والمهارات اللازمة للبقاء ولحياة أفضل (عايش، 1994). ويجب ألا يغيب عنا أن التربية المدنية في المجتمعات هي أولا وآخرا تربية من أجل الحرية.
ويمكن تركيز مفهوم التربية المدنية أو التربية للمواطنة في سعي المدرسة إلى إعداد الطالب/ة للمواطنة الفاعلة بتعريفه بحقوقه وواجباته، وإكسابه المعلومات والقيم والمهارات التي تمكنه من إدراك هذه الحقوق والواجبات بحيث تصبح معيارا يتصرف على أساسه. كما تهتم هذه التربية بإكساب الطلبة القدرة على التفكير في القضايا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية تفكيرا ناقدا (العتم وآخرون، 2002).
ويشمل مصطلح التربية المدنية جميع المواضيع والأنشطة التربوية الهادفة إلى تعلم وتمثل قوانين الفرد والحياة الاجتماعية، وهذا يستدعي دراسة المجتمعات المعاصرة وتلك التي كانت في الماضي. ولكن هذا لا يعني أن التربية المدنية هي ببساطة دراسة المؤسسات السياسية وبعض النصوص القانونية الهامة وخبرات الحياة المدرسية، إنما يعني أنها تأخذ بالاعتبار أيضا المشكلات الهامة التي يواجهها المجتمع في الوقت الحاضر أو في المستقبل، ويقوم الطلبة بدراسة هذه المشكلات ومحاولة فهم تعقيداتها وتضميناتها.
مكونا التربية المدنية
تتكون التربية المدنية من مكونين أساسيين هما: المكون الأساسي هو تربية المواطن أو التربية للمواطنة Citizenship Education أو إعداد المواطن للقيام بأدواره المختلفة في الدولة بكفاءة وفاعلية في الوطن الصغير (والكبير) والمكون العالمي (التربية العالمية Global Education). وتأتي أهمية المكون الثاني من تحول العالم إلى ما يشبه القرية العالمية نتيجة شيوع وسائل الاتصالات والمواصلات الكونية العابرة للحدود الأرضية والفضائيات المخترقة للجدران البيتية، مما يسهل الانفتاح على الثقافات الإنسانية تحقيقا لمبدأ توسيع دوائر انتماء الفرد. ويهدف هذا المكون إلى إعداد الفرد للمساهمة الثقافية في تكوين منظور عالمي يركز على الترابط والتفاهم والتعاون بين الشعوب والأمم (عايش، 1994). وهذا يحتم أن تكون التربية المدنية أساسا صالحا تبنى عليه المواطنة العالمية حتى تدرك الأجيال العلاقات المتشابكة بين البشر ويتعرفوا المصلحة الإنسانية المشتركة ويتقبلوا الاختلافات العرقية والثقافية بين الناس، وما يتطلبه ذلك من تسامح وتقدير لثقافات الآخرين ومعتقداتهم (الغتم وآخرون، 2002).